هل دفعَت روسيا “مُكافآت” ماليّة لحركة طالبان لقتل الجُنود الأمريكيين في أفغانستان؟
السّؤال المُحيّر الذي تتداوله الأوساط الأمنيّة والعسكريّة هذه الأيّام يدور حول تقارير استِخباريّة اتّهمت روسيا بدفع “مُكافآت ماليّة” لحركة طالبان لقتل المزيد مِن القوّات الأمريكيّة المُرابِطة حاليًّا في أفغانستان الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب الذي تلقّى هذه التقارير وكان مكتبه في البيت الأبيض أوّل مَن روّج لها، أبدى حسب المصار المُقرّبة مَنه تأييده لمَضمونها، لكنّ الجِنرال فرانك ماكينزي قائِد القِيادة الوسطى الأمريكيّة شَكّك في هذه التّقارير، وقال إنّه غير مُقتنع بأنُ أيّ أموال جرى دفعها لقتل الجُنود الأمريكيين.
حركة طالبان حاربت القوّات السوفييتيّة بشَراسةٍ مِثل فصائل المُجاهدين الأُخرى، أثناء الحرب الأفغانيّة الأولى ممّا أدّى إلى هزيمة هذه القوّات، وبالتّالي إجبارها على الانسِحاب، ولكنّ العدو الحقيقيّ لها في الوقتِ الراهن هي القوّات الأمريكيّة التي أطاحت بحُكمها واحتلّت البِلاد، وحلّت محل القوّات السوفييتيّة.
بمعنى آخَر، لا تحتاج حركة طالبان إلى أيّ حوافز أو مُكافآت ماليّة من “العدوّ” الروسي” السّابق مِن أجل قتل الجُنود الأمريكيين المُحتلّين التي تُحاربهم مِن 20 عامًا تقريبًا، واستطاعت قتل حواليّ خمسة آلاف مِن جُنودهم، وتكليف الخِزانة الأمريكيّة ما يَقرُب مِن ترليونيّ دولار، علاوةً على إفشال المشروع الأمريكيّ في تنصيب حُكومة أفغانيّة مركزيّة مُوالية.
الولايات المتحدة تعيش مأزقًا حقيقيًّا في أفغانستان، فقوّاتها لا تستطيع البقاء، وتحقيق الأمن والاستِقرار في البِلاد، ولا تستطيع في الوقتِ نفسه أن تَنسَحِب (لها 8500 جُندي في أفغانستان حاليًّا) وتُقلِّص خسائرها، بعد فشل العديد من الجوَلات التفاوضيّة مع مُمثّلِي حركة طالبان في الدوحة وغيرها.
الرئيس ترامب يَدرُس حاليًّا تنفيذ تعهّده بسحب جميع قوّاته من أفغانستان قبل نهاية هذا العام، ولكنّ إقدامه على هذه الخطوة ستُؤدِّي حتمًا إلى عودة حركة طالبان إلى الحُكم وإعادة قِيام دولتها الإسلاميّة “الجِهاديّة”، وتوفير الحِماية للحركات المُتشدِّدة مِثل “القاعدة” والدولة الإسلاميّة “داعش”، وهُما الحرَكَتان اللّتان عزّزتا وجودهما على الأرض الأفغانيّة في الفترةِ الأخيرة، وباتت إيران أحد المصادر الأساسيّة للتّسليح.
القلَق الأمريكيّ الأكبر لا يأتِي مِن التّغلغل الروسي في أفغانستان فقط، وإنّما أيضًا مِن النّفوذ الإيراني المُتزايِد، فرُغم الخِلافات المذهبيّة، تتّسم العُلاقات بين حركة طالبان وإيران بالقوّة والمَتانة، وتحوّلت العاصمة الإيرانية طِهران إلى مزارٍ للمسؤولين في الحركة في الأشهر والسّنوات الأخيرة.
أفغانستان مِثل العِراق وسورية أصبحت أحد العناوين الأبرز لفشل السياسة الأمريكيّة في مِنطقة الشرق الاوسط برمّتها، والفَضل في ذلك يعود بالدّرجة الأولى إلى المُقاتلين الأشدّاء في حركة طالبان الذين اعتمدوا الخِيار العسكريّ لتحرير بلادهم، وعندما ذهبوا إلى مائدة المُفاوضات، ذهبوا إليها مِن مَوقِع قوّةٍ، ولم يتنازلوا ملّيمترًا واحِدًا عن مطالبهم في الانسِحاب الأمريكيّ الكامِل وتسليم السّلطة لهم، والمُقابل هو الانسِحاب الآمِن فقط.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية