هل زلّ لسان الكاظمي بتصريحه عن “شامٍ جديد” لم تذكره قمة مطار عمان الثلاثية

 

لا الشام شامٌ ولا مشروع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي مشروع فعلاً وهو حتى ليس جديدا؛ هذا ما يمكن استنتاجه مباشرةً بعد تحري المشروع وتفاصيله من جهة، وبعد متابعة فعاليات القمة الثلاثية الثالثة بين العراق (والذي يمثله الكاظمي لأول مرة) والأردن الذي يمثله عاهله الملك عبد الله الثاني، ومصر التي يمثلها الرئيس عبد الفتاح السيسي، من جهة أخرى.

ومشروع “الشام الجديد”، طرحه الكاظمي اثناء زيارته لواشنطن ونقله عنه الصحفي في واشنطن بوست ديفيد اغناتيوس، باعتبار المشروع يقوم على حرية الاستثمار ونقل التكنولوجيا بين الدول الثلاث وعلى الطريقة الأوروبية، وهو ما شرحه لاحقا القيادي في ائتلاف النصر العراقي، عقيل الرديني، والذي قال انه قائم على التبادل النفطي من العراق ككتلة نفطية والبشري من مصر ككتلة بشرية عبر الأردن كجسر بينهما.

ويبدو المشروع بحد ذاته طموحاً اذا ما انعزل عن كون الدول الثلاث اليوم تعيش أزمات مركبة تتعلق بالجائحة والاقتصاد والتخبط السياسي، إلى جانب التهديدات العسكرية التي تعاني منها مصر بملف ليبيا والتهديد المائي بملف سد النهضة مع السودان واثيوبيا، والتهديدات العسكرية أيضا التي يعاني منها العراق مع تركيا التي لا تزال تستغل الاتفاقات القديمة بين البلدين لضرب مناطق الاكراد.

يبدو الأردن بالنسبة للتهديدات العسكرية شريكا متضامناً اكثر منه متضرراً فعلا، خصوصا وان البيان الختامي للقمّة التي عقدت بصورة غريبة في مطار الملكة علياء (أي ان ضيفي البلاد لم يدخلا عمان عمليا)، تحدث عن رفض التدخلات الخارجية بالدول العربية، وبصورة توحي بفقدان جانب من الاهتمام بمشروع حقيقي جديد، رغم كل شعارات “إعادة ضبط العولمة” و”التكامل الاقتصادي” وغيرها.

المهم، ان القمة لم تأتِ على ذكر المشروع الذي تحدث عنه الكاظمي ولم تتطرق لتفاصيله رغم انه أثار الكثير من الجدل الدولي والآمال العربية، إلا ان الملاحظات في سياق وتاريخ المشروع الذي منح الكاظمي بالإشارة اليه “طرف خيط” للبحث فيه سترد لاحقا في سياق هذا التحليل/ ما يؤشر الى رغبة اردنية مصرية في تجاوز التسمية.

قبل ذلك فيبدو من المفيد الانتباه الى سلسلة ملاحظات على القمة الاخيرة بين الدول الثلاث، وبعض التشابهات بين القمم الثلاث السابقة:

أولا في القمة الأردنية الأخيرة

مجدداً عقدت القمة الأخيرة على عجل وبصورة مستهجنة في مطار الملكة علياء بما لا يسمح لضيوفها بالدخول للأردن عمليا، ولعل ذلك لا يختلف عن القمم الأخرى، وبصورة اوحت ان القمة المذكورة تمت كـ “تطبيق معاملة” للإيحاء بوجود محور يجمع الدول الثلاث برعاية أمريكية.

القمة أيضا حضرها الى جانب ولي عهد الأردن الأمير الشاب، ووزير الخارجية ورئيس الوزراء، مدير المخابرات الأردنية، وهو ما يوحي بتنسيق إضافي وضمن بعد مختلف عن التكامل الاقتصادي الذي يتحدث عنه البيان الختامي، وقد يلحظ أيضا غياب قائد الجيش عن الاجتماعات التي تتحدث عن الإرهاب والتدخلات الأجنبية.

ثانيا القمم السابقة

من الملاحظ ان القمتين السابقتين أيضا امتازتا بالتعجل، حيث في الأولى التي عقدت في القاهرة ظهرت وكأنها عقدت فجأة وترتبت بضغط اكبر من الدول الثلاث، إذ كان عاهل الأردن قبيل ذلك في واشنطن، وهنا أيضا مفارقة ثانية حيث القمم الثلاث عقدت زمنيا بعيد زيارات لواشنطن، ففي الأولى كان ملك الأردن، والثانية عقدت أصلا في نيويورك وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، والثالثة عقدت بمجرد عودة الكاظمي من واشنطن وبعد لقاءات كثيرة عقدها الرجل مع الإدارة الامريكية، التي ظهر وكأنها “شرحت له المشروع الثلاثي بكل الأحوال” وتحدث عنه بمسمى لا تستطيع أي من الدولتين الاتيان على ذكره.

القمم الثلاث تتطرق لرفض التدخل الخارجي وتترتب على أساس محاصرته وتعقد الكثير من الاتفاقيات في سياق ذلك والتي غالبا لا ترى النور لاحقا ولا يلحظها الشارع لا في مصر ولا العراق ولا الأردن بطبيعة الحال، إلى جانب وكإشارة إضافية مشتركة تحصل القمم المذكورة أيضا بالتزامن مع لقاءات عراقية سعودية وبصورة تتوضح اليوم باعتبار السعودية الراعي الإقليمي أو وكيل واشنطن بملف ترتيب العلاقات بين الدول الثلاث، خصوصا وان عمان التي تركز على مشاريع الربط الكهربائية في سياق التعاون الثلاثي، وقعت قبل نحو أسبوع أيضا وعلى عجل مذكرة تفاهم مع السعودية في مجال الربط الكهربائي، دون تفصيلات تتعلق باشكالات تقنية محتملة في الربط بين البلدين.

في الخبر حول المذكرة، تكرر وزيرة الطاقة الأردنية هالة زواتي الحديث عن استراتيجية الأردن في التحول لمركز إقليمي لتبادل الطاقة بكافة اشكالها، “خاصة وان المذكرة تشكل انطلاقة لمشاريع الربط الكهربائي العربي الشامل، حيث سيكمل الربط بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول المشرق العربي، مع باقي الدول العربية في شمال افريقيا وسيعزز السوق الإقليمية لتجارة الكهرباء.”

وهذا ما يعيد التذكير بسلسلة مشاريع من ضمنها وأهمها مشروع “الشام الجديد” الأصلي والذي طرحه البنك الدولي عام 2014، والذي اعادت “رأي اليوم” البحث في تفاصيله باعتباره الأساس فيما تحدث عنه الكاظمي في واشنطن.

الشام الجديد مجدداً..

وقد طرح البنك الدولي مشروع الشام الجديد عام 2014، ولكن طرح الموضوع كان ضمن طرحٍ موسّع إذ لم يبنَ على الثلاثي المجتمع في القمة وانما على عدد اكبر من الدول بالإضافة اليها يتضمن لبنان وسوريا والضفة الغربية وتركيا، ويستثني بصورة واضحة دول الخليج جميعا، ما يعني ان النسخة الحالية معدّلة عن المشروع الأصلي خصوصا وان نسخة العراق-الأردن-مصر اليوم تبدو وكأنها “لا تزال” مصممة لاستبعاد تركيا.

الدراسة المذكورة، حاولت إيجاد شرق أوسط جديد يقصي ايران عن المنطقة، ومن الواضح انها ارادت بتكامل اقتصادي مفترض ان تضعف نفوذ طهران في الدول المذكورة، بالإضافة لانعاش الضفة الغربية اقتصاديا، ولكن هناك وبعد عام 2014، يبدو ان دراسة اهم حصلت، وهي تلك المتعلقة بصفقة القرن او خطة ترامب الاقتصادية والتي تشمل عددا من الدول المذكورة نواتها الأردن ومصر بدرجة اكبر من العراق.

في الاثناء- ورغم المشاريع الكثيرة التي نواتها الأردن ومصر والضفة الغربية ومنها منتدى غاز شرق المتوسط والذي أيضا تفعل لزيادة “نتكامل اقتصادي من نوع اخر” مع إسرائيل، ويستبعد تركيا أيضا-، بقي العراق في حقيقة الامر هدفا لمشروع اخر إسرائيلي هو سكة حديد حيفا- البصرة، والذي اعادت نشره بالتزامن مع القمة الثلاثية الأولى وزارة الخارجية الإسرائيلية، وهذا ما ذكر فيه تقرير عرض في برنامج “مسائية دي دبليو” للفضائية الألمانية دويتشة فيلة الثلاثاء.

ويعزز التحالف الثلاثي الذي يشكك كثيرون بكونه تحالفا حقيقيا، بعداً أساسيا لا يمكن تجاهله في هذه المرحلة، تبدو أهميته بإيجاد محور جديد في المنطقة يتجمع بإرادة أمريكية؛ ولكن ذلك لا يضمن لا التكامل الاقتصادي ولا حرية الحركة ولا حتى التناغم السياسي حيث العراق حتى اليوم مسرحا لتنازع النفوذ بين واشنطن وطهران.

بكل الأحوال، عكست قمة مطار عمان ابعادا أساسية لا يمكن تجاوزها من حيث مدة القمة ومخرجاتها وتزامناتها، وكل هذه حقائق تبدو كعصيٍّ في دواليب نجاح أي تكامل بين البلدان الثلاث، بالإضافة لكون العراق ومصر ستسحبان عمان للمزيد من القمع والكبت في سياقات الحرية والتعبير والتعامل مع الشارع بما يتلاءم معهما، والاهم ان نظام الأردن الملكي القائم على الشرعية الدينية لا يحتمل ما يحتمله ذلك العسكري في مصر ولا الاستخباراتي في العراق.

 

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى