هل ستُطارد “لعنة الباتريوت” زيلينسكي مثلما طاردت أمريكا في السعوديّة وتركيا؟
عادَ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من زيارته الخاطفة إلى واشنطن بصَفقةِ مُساعداتٍ ماليّةٍ وعسكريّةٍ تصل قيمتها إلى حواليّ 50 مِليار دولار من ضِمنها منظومات صواريخ “باتريوت” المُضادّة للطّائرات الحربيّة والصّواريخ، ممّا يعني وصول حجم المُساعدات الأمريكيّة إلى أكثر من 100 مِليار دولار مُنذ بداية الحرب الأوكرانيّة قبل 10 أشهر.
صواريخ “باتريوت” ربّما تُواجه مصير نظيراتها صواريخ “هيمارس” الأمريكيّة، لن تُغيّر مسار الحرب في أوكرانيا مثلما يُؤكّد خُبراء عسكريين أمريكيين تحدّثوا لمجلّة “الإيكونوميست” البريطانيّة، أمّا خِطاب الرئيس زيلينسكي أمام الكونغرس فإنّه يُذكّرنا بخطابِ بنيامين نِتنياهو الذي تجاوز فيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما في أيّامه الأخيرة في السّلطة، وأعطى نتائج عكسيّة تمامًا، من حيث خُروج صاحبه (نِتنياهو) من السّلطة لاحقًا، وتوريط أمريكا في أزمةٍ خطيرةٍ جدًّا، وخطر استراتيجيّ مع إيران بانسِحاب إدارة ترامب من الاتّفاق النوويّ الأمريكيّ، فهل يُواجه الرئيس الأوكراني اللّعنة المُزدوجة نفسها، أيّ لعنة الخطابة أمام الكونغرس، ولعنة “الباتريوت” التي أدّى حجبها إلى تدهور العلاقات مع تركيا، وذهاب رئيسها رجب طيّب أردوغان إلى روسيا للحُصول على صواريخ “إس 400” البديل الأقوى، ونسف الأمير السعودي محمد بن سلمان علاقة استراتيجيّة مع الولايات المتحدة (النفط مُقابل الحماية) امتدّت لأكثر من 75 عامًا، والتوجّه بقُوّةٍ للانضِمام إلى النظام العالمي الجديد بزعامة دول “البريكس” والثّنائي الروسي الصيني تحديدًا، ولعلّ تزعّم الرئيس الصيني لثلاث قمم انعقدت في الرياض (سعوديّة، خليجيّة، عربيّة) قبل عشرة أيّام كرَدّ فِعلٍ أوّليّ على سحب إدارة الرئيس جو بايدن لمنظومات الباتريوت و”ثاد” من المملكة العربيّة السعوديّة، وتوقيع اتّفاقات تحالف استراتيجيّة مع التنّين الصيني، وفتح أبواب الشّرق الأوسط والخليج أمام اقتِصادها وأسلحتها، وعملته (اليوان) التي قد تُصبح بَديلًا قويًّا للدّولار في غُضون بضعة أيّام.
***
الرئيس بوتين لم يقلق كثيرًا من صفقة “الباتريوت” للجيش الأوكراني، بل سَخِرَ منها، ووصفها بأنّها “قديمة” ذات تأثيرٍ محدود، وقال إنّه سيُهشّمها، وضرب مثلًا بفشَلها في حرب اليمن في التصدّي بفاعليّة للصّواريخ الباليستيّة الحوثيّة، التي وصلت إلى العاصمة السعوديّة، وضربت مدينة بقيق التي تُشَكّل العصَب الأساسيّ للصّناعة النفطيّة، ممّا أدّى إلى تخفيض إنتاج النفط السعودي بنسبة وصلت إلى 60 بالمِئة لعدّة أشهر بسبب الحرائق الضّخمة التي اندلعت في المصافي ومراكز الإنتاج الرئيسيّة.
لا نستبعد أن يلجأ الرئيس الروسي إلى حركة “أنصار الله” الحوثيّة للاستِفادة من تجربتها في تدمير أُسطورة “الباتريوت”، أو يستنجد بحُلفائها في إيران الذين زوّدوها بتكنولوجيا الصّواريخ، والطّائرات المُسيرّة لتجاوز هذه الأسطورة “الباتروتيّة”، ولعلّ أكثر ما يُقلق واشنطن حاليًّا هو شِراء موسكو هذه الصّواريخ الباليستيّة الدّقيقة، واستِخدامها في حرب أوكرانيا في الأيّام المُقبلة على غِرار حُصولها على المِئات من المُسيّرات (شاهد 136) التي غيّرت قواعد الاشتِباك رأسًا على عقب، وأبلَتْ بلاءً حسنًا في ضرب البُنَى التحتيّة الأوكرانيّة في كييف وقطعت إمدادات الماء والكهرباء فيها والعديد من المُدُن الأُخرى عن الملايين من المُواطنين الأوكرانيين.
حرب أوكرانيا ستَدخُل مرحلةً جديدةً في الأسابيع والأشهر القليلة القادمة، فالجِنرال فالري زالوزني قائد الجيش الأوكراني أعرب عن مخاوفه من انخِراط روسيا في حشد القوّات والمعدّات استِعدادًا لهُجومٍ واسع من دونباس في الشّرق أو الجنوب، وربّما لشنّ حملة عسكريّة مُوسّعة ثانية للسّيطرة على العاصمة كييف، وأكّد في لقاء مع نُظرائه في حِلف الناتو أن الحُشود الجديدة لتنفيذ هذا المُخطّط تضم 200 ألف جُندي إضافي جرى تدريبهم وتسليحهم، للقِيام بهذه المَهمّة وتجنّب أخطاء الحملة القديمة الفاشلة في بداية الحرب، وهي الأخطاء التي أدّت إلى الإطاحة بقائد الجيش الروسي السّابق، وإحلال الجِنرال سيرغي سوركين المعروف بخبرته الطّويلة في حربيّ سورية والشيشان محلّه على رأس الاجتِياح الروسي لأوكرانيا.
الرئيس بوتين يُبقِي أوراقه المُتعلّقة بالحرب الأوكرانيّة قريبة إلى صدره، ولكن حديثه قبل أيّام عن تطوير قُدرات بلاده النوويّة، ومُطالبته يوم أمس (الجمعة) لمصانع الأسلحة والمعدّات والذّخائر الروسيّة بمُضاعفة جُهودها الإنتاجيّة لضمان حُصول الجيش الروسي على جميع مُتطلّباته التي يحتاجها في المُستقبل القريب تحضيرًا للهُجومِ الشّامل القادم وعلى أكثرِ من جبهةٍ في أوكرانيا.
***
الأمريكان أرادوها حربًا لاستِنزاف روسيا اقتصاديًّا وعسكريًّا وتركيعه سياسيًّا، فجاءت النتائج عكسيّة وكارثيّة، وخاصَّةً على الحليف الأوروبي الذي بات يتلوّى من الألم ويصرخ، فالرئيس بوتين يُريدها حربًا طويلةً الأمَد فيما يبدو، ويسير على نهج الجِنرال “بيتر العظيم” مثله الأعلى الذي خاضَ حربًا استمرّت 21 عامًا ضدّ السويد وانتصر فيها في نهاية المطاف، وعزّز الإمبراطوريّة القيصريّة الروسيّة وتوسّعها وتفوّقها.
خِتامًا نقول إن الحلف الأمريكي الأوروبي يدخل العام الثاني للحرب الأوكرانيّة وهو مُثْخَنُ الجِراح، اقتصاديًّا وسياسيًّا وعسكريًّا، سواءً من جرّاء النّزيف المالي والعسكري الذي أوشك أن يُفرّغ ترساناته من المعدّات والذّخائر، وخزائنه من الأموال، هذا ودون أن يضع الرئيس الروسي كُل ثقله العسكري بعد في هذه الحرب، وقد تتفاقم هذه الخسائر الأوروبيّة الأمريكيّة إذا استخدم الرئيس بوتين سلاح الطّاقة، وأوقف إمدادات النفط والغاز كُلّيًّا أو جُزئيًّا عن أوروبا، في عزّ موسم الشّتاء القارص، حيث بدأ أكثر من 748 مِليون أوروبي يرتجفون بردًا، ويُعانون في الوقت نفسه من الغلاء والتضخّم، وانخفاض مُستوى المعيشة، ولعلّ ما يجري حاليًّا في بريطانيا “العُظمى” من إضراباتٍ شلّت كُلّ مظاهر الحياة أحد الأمثلة على ما نقول، والقادم أعظم.. والأيّام بيننا.