هل سقط الحلم الكردي بعد فشل الرهان على “الربيع العربي”؟
هل خاطب “الربيع العربي” الوعي الجمعي الكردي في منطقة الشرق الأوسط؟ وهل اعتقدت المجموعات الاجتماعية السياسية الكردية أن تمدّد “الربيع العربي” من تونس ومصر وسوريا إلى تركيا وإيران سوف يغيّر خريطة حدود منطقة الشرق الأوسط؟
أم أن تراجع عبد الله أوجلان، الزعيم السابق لحزب العمال الكردستاني (معتقل في سجن أميرلي التركي)، عن المنظور الثوري الذي كان يهدف إلى تجاوز حدود “سايكس – بيكو”، وتعزيز التضامن العابر للحدود الوطنية ومواجهة الترتيبات الجيوسياسية القائمة، قد حملهم على الرهان على فكرة اعتقدوا بإمكانية تطبيقها في حدود الأوطان التي يعيشون في ظلها؟
طرح عبد الله أوجلان فكرة جديدة في عام 2005، دعت إلى تشكيل المجالس البلدية كوسيلة لتسهيل إنشاء كونفدرالية ديمقراطية عابرة للحدود تجمع المجتمعات الكردية وغيرها من المجتمعات في سوريا وإيران والعراق وتركيا، وانتقد أوجلان الدولة الأمة، ورأى أن الكرد يجب أن يسعوا إلى تحقيق الحكم الذاتي الديمقراطي من دون دولة كردية، وأن يحقّقوا الوحدة بدلاً من ذلك على أساس الحكم الذاتي اللامركزي، وقوامه المجالس المحلية والتعاونيات.
في ظل هذه المناخات، توسّموا الدخول في مرحلة جديدة عزّزتها فكرة الشرق الأوسط الجديد والحرب الأميركية على العراق، والتي ساهمت في تعزيز وجود الفيدرالية الكردية شمال العراق، والتي رأى الكرد إمكانية تحقيقها في دول المنطقة.
فهل كانت الرؤية مشتركة بين جميع المكوّنات السياسية والاجتماعية الكردية؟ أم أن هناك من بقي يرى أن وحدة في ظل الدولة التقليدية والحصول على حقوق سياسية وثقافية هدف يجب العمل عليه. منذ بدء موجة الانتفاضات والاحتجاجات التي شهدتها تونس ومصر وليبيا واليمن، بدت هذه المكوّنات بمعظمها على قناعة بأن ما يجري في المنطقة سيغيّر خريطتها الجيوسياسية والاقتصادية على شكل إقامة نظام جديد، وأن أمامها فرصة تاريخية لتغيير المشهد.
إلا أن محاولة “الحزب الديمقراطي الكردستاني” في العراق عام 2017 الاستفتاء على إقامة دولة مستقلة أتت من خارج سياق أفكار أوجلان، لتثبت أن مرحلة الحكم الذاتي يمكن أن تتحوّل إلى مطالبة بالانفصال، وحملت كلاً من تركيا، المتضرّر الأكبر من هذا المشروع، وإيران جارة العراق، على التدخل والتصدي لفكرة الانفصال التي جسّدت الحلم الكردي الأساسي بـ “كردستان الكبرى”.
فيما بلور كرد سوريا برنامجاً سياسياً بُنِي على فرضية الفدرلة، بدايته الإدارة الذاتية، مع أن هناك من عارض الفكرة وقال إن سقفه حقوقي، أما كرد تركيا فبلوروا أفكار أوجلان، ودشّنوا “حزب الشعوب الديمقراطي” الذي بدأ الدخول في الحكم المدني والانتخابات البلدية كشكل لحكم ذاتيّ محليّ.
اتّسمت الحركة الكردية الداخلية بالضعف، نظراً إلى تعارض الطموحات بشأن الاستيلاء على السلطة، جسّدها هذه الطموحات “الحزب الديمقراطي الكردستاني” في العراق، مقارنة بمشروع كرد تركيا، وحتى سوريا، فساهم في إثارة الشكوك في أهداف هذه الحركة.
ساهمت عوامل عدة في فشل انتفاضات “الربيع العربي”، كان أهمها العسكرة والتدخلات الخارجية وإشاعة الفوضى، ما جعل من الكرد ورقة أساسية في الصراعات الجارية بين الدول الإقليمية.
تركيا لا تهادن المشروع الكردي
دخل كرد سوريا في موقع التنافس بين النظام والمعارضة، وشكلوا عامل قلق في العلاقة التركية-الأميركية، وتعاملوا ببراغماتية عالية مع من يعترف بحقوقهم أكثر.
وإذا كان الرئيس التركي قد انفتح على الحوار مع كرد تركيا منذ 2010 إلى 2014 إلا أنه بعد فشل المفاوضات أصرّ على أن لا قضية كردية في تركيا، وحلّ معظم البلديات التي فاز بها “حزب الشعوب الديمقراطي” ذو الأغلبية الكردية، واتهمه بأنه يسعى للانفصال عبر الكونفدرالية، بعد محاضرة ألقاها زعيمه صلاح ديمرتاش في إحدى دول البلطيق حول الموضوع وتصريحات لقياديين في الحزب ضد النظام الرئاسي.
ما زال الصراع الداخلي قائماً، لكن امتدت جذور المواجهة التركية إلى سوريا، ضد “قوات سوريا الديمقراطية”، الجناح العسكري لـ”حزب الاتحاد الديمقراطي”، إذ طالب قائده العسكري، مظلوم عبدي، حليفه الأميركي بردع تركيا، ومنعها من اجتياح منبج وعين العرب/كوباني، والضغط عليها.
روسيا رأت في التهديد التركي سبيلاً لبناء علاقات أوثق بين دمشق وأنقرة ضد مشروع “وحدات حماية الشعب”، وإجبارها على التخلي عن مزيد من أراضي حكمها الذاتي لمصلحة الحكومة السورية.
تريد أنقرة وضع حدّ للمشروع الذي يقوده الكرد السوريون، كما أن دمشق وأنقرة، على حدّ سواء، ترغبان في إنهاء الشراكة بين الولايات المتحدة و”قوات سوريا الديمقراطية”.
يحتاج الأميركيون والأوروبيون إلى التعاون التركي بشأن الملف الأوكراني. لذلك، لن يفرضوا عقوبات عليها كما فعلوا عام 2019، إثر اجتياحها عفرين وغيرها من المناطق الكردية أو الحدّ من توغّلها في رأس العين وتل أبيض.
وفي حال شنّ تركيا عملية بالقرب من كوباني ومنبج، ستضطر “وحدات حماية الشعب” و”قوات سوريا الديمقراطية” إلى التوجه نحو المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية. ومن المستبعد أن تعترف دمشق بأي شكل من أشكال الحكم الذاتي المحلي بعد أن ناقشت المشروع مطولاً.
إيران تقصف مشروع زعزعة أمنها
تدهورت العلاقات بين إيران وإقليم كردستان العراق إثر اغتيال قائد قوة القدس الشهيد قاسم سليماني، ونشر تقرير أميركي ورد فيه اسم مؤسسة مكافحة الإرهاب في إقليم كردستان العراق كمشارك في ترتيبات العملية، كما أن قيام أربيل باستضافة مؤتمر للتطبيع مع “إسرائيل” والعلاقات التي تنسجها مع الشركات الإسرائيلية والموساد، حمل إيران على اتهامها بتسهيل وجود استخبارات تخطط لاغتيالات في طهران.
وفي ظل حركة الاحتجاجات التي شهدتها إيران، اتهمت الأخيرة أربيل التي تستقبل أحزاباً كردية إيرانية معارضة، وتملك قواعد ومعسكرات لها، بالتآمر على الداخل الإيراني، واعتبارها الفرصة سانحة لخوض غمار الاحتجاجات وزعزعة استقرار الدولة أمنياً وسياسياً، فحزب “كومله” مثلاً لديه قاعدة قرب السليمانية، و”الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني” في كويه، وحزب “الحرية” الكردستاني في بردي، وتتمركز الأحزاب الكردية الأخرى داخل مناطق خاضعة لسيطرة الحزبَين الكرديَين العراقيَين: “الاتحاد الوطني الكردستاني” و”الحزب الديمقراطي الكردستاني”.
طالبت إيران بنزع سلاح الأحزاب الكردية الإيرانية، أو حلّها، وهدّدت بشنّ عمليات عابرة للحدود، وقصفت مراكز حزب “كومله”، وطالبت كردستان بطرد الانفصاليين من العراق. لم يستجب كرد العراق للضغوط المُمارسة عليهم من أجل حلّ الأحزاب، واتفقوا مؤخراً مع بغداد على إرسال قوات إضافية إلى الحدود مع إيران.
في ظل الصراعات الدولية، يتم استعمال وسائل الضغط على إيران، التي تمر بأزمات اقتصادية من جراء العقوبات الأميركية وفشل المحادثات النووية، ويتم الاستثمار في المشكلات الداخلية لضرب استقرارها، واستعمال الورقة الكردية كان واضحاً في هذا السياق.
في ظل المعطيات الإقليمية والدولية اليوم، والمتغيّرات التي سادت بعد فشل “الربيع العربي”، لن تكون الورقة رابحة بيد الكرد، بل من الأفضل لهم أن ينفتحوا على المفاوضات للحصول على حقوق ثقافية وسياسية في سوريا مثلاً، واعتماد المفاوضات مع الدول التي يعيشون في ظلها؛ كي لا يدفعوا ثمن ارتباطهم بـ “إسرائيل” أو أميركا التي ستتخلى عنهم من أجل مصالحها العليا.
الميادين نت