هل سوريا عند هولاند مثل ليبيا عند ساركوزي؟ وما الدور السري لبرنارد ليفي؟ (جورج ساسين)

 

جورج ساسين

 

شكّل اعتراف الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بالائتلاف السوري المعارض «كممثل وحيد للشعب السوري» خبطة سياسية وديبلوماسية، ذلك أنّه أوحى بعبارات ذات مغزى أنّه سيقود معركته العسكرية، مع وقف التنفيذ، ضدّ دمشق، على غرار ما قام به سلفه في ليبيا.
فما هي أوجه الشبه بين الرئيسين والعقبات؟
من قُدّر له متابعة المؤتمر الصحافي الأول لهولاند في قصر الإيليزيه مساء أول من أمس لا بدّ أن يكون قد طرح على نفسه سؤالاً عمّا إذا كان الرئيس الحالي سيكرّر في سوريا تجربة سلفه في ليبيا. وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، فإنّ الخلف اعترف بـ»الائتلاف الوطني» كـ»ممثل وحيد للشعب السوري، وبالتالي كحكومة مقبلة لسوريا الديموقراطية»، فيما ترك الرئيس السابق نيكولا ساركوزي للوفد الليبي الذي زاره بمعية الكاتب برنار هنري ليفي سبْق الإعلان عن نيته الإعتراف بالمجلس الوطني الليبي الانتقالي في آذار 2011 من على درج القصر.
إلّا أنّ هذه «الخبطة» كانت متوقّعة نظراً للمشاورات التي أجراها هولاند ووزير خارجيته لوران فابيوس مع عدد من الملوك والرؤساء والأمراء والوزراء العرب مؤخّراً، كما أنّها أعقبت إجتماع الدوحة «للإئتلاف الوطني السوري» المعارض بعد أيام من إعلان فوز الرئيس الأميركي باراك أوباما.
والجدير ذكره هو أنّ ساركوزي كان، مع برنار هنري ليفي، «لولب» الحركة التي أسفرت عن قيادته إلى جانب رئيس الحكومة البريطانية دافيد كاميرون الحرب العسكرية والديبلوماسية والاعلامية ضد نظام العقيد الليبي معمّر القذافي، فيما بقي الرئيس الأميركي يتبع طريقة «القيادة من خلف الستارة».
وإذا كانت الأضواء الكاشفة لم تسلّط في الآونة الأخيرة على تحرّكات ليفي في الملف السوري إلّا انّ الاجتماع الثلاثي الذي عقده هولاند وفابيوس وليفي، فضلاً عن الانتقادات الحادة التي شنّتها شخصيات يمينية مقرّبة من ساركوزي، قبيل الإعلان عن تحديد موعد لمؤتمر أصدقاء الشعب السوري في باريس في 6 تمّوز المنصرم، كان بليغاً في دلالاته السياسية والديبلوماسية، ومؤشّراً على المسار اللاحق للموقف الفرنسي الحاسم اليوم.
ولقد حظي باهتمام شديد ما قاله الرئيس هولاند عن المعارضة السورية واحتمال تغيير «عقيدته» لإمدادها بالسلاح بعد «تشكيلها الحكومة الشرعية» الجديدة، لا سيّما في مناسبة استثنائية كانت مخصّصة لإجراء جردة حساب داخلية، استقطبت الأضواء الإعلامية وتميّزت بنسبة عالية جدّاً من المتابعة في العواصم الأوروبية التي كانت تطرح تساؤلات جدّية حول المسار الإصلاحي المالي والاجتماعي وانعكاس الأزمة في منطقة اليورو بعد ستة أشهر على تولّي الحزب الاشتراكي وحلفائه الخضر مقاليد الحكم.
فعملية الربط هذه بين «الحكومة الشرعية» المقبلة ومدّها بالسلاح والإيحاء بدور للأمم المتّحدة في حماية «المناطق المحرّرة» طرحت تساؤلات عمّا يمكن أن تشهده الأيام والأسابيع المقبلة من إحتمالات وسيناريوهات سواء لفرض «مناطق آمنة» على الجانب السوري من الحدود مع تركيا، وإقامة منطقة حظر جوّي لمنع تفوّق الطيران الحربي الرسمي على مجموعات المعارضة المسلّحة على الأرض.
لكنّ القراءة المتأنّية لموقف باريس في عهد ساركوزي وفي الأشهر الستة من ولاية هولاند، تظهر أنّ إغلاق السفارة الفرنسية في دمشق وقطع أيّ جسور مع الرئيس السوري بشّار الأسد وحكومته والاعتراف بأنّ «المجلس الوطني السوري» كـ»ممثل للشعب السوري» تخضع للسياسة ذاتها ولو صقلها هولاند بأسلوب مختلف.
أمّا في المضمون، فإنّ هولاند لا يزال يحاذر الذهاب بعيداً للأسباب الخمسة التالية:

أوّلاً، أنّ التدخّل العسكري الشرعي دونه عقبات في مجلس الأمن نظراً لمعارضة روسيا والصين لأيّ تكرار قريب أو بعيد للحرب التي شُنّت ضد نظام القذافي.
 
ثانياً، أنّ إقامة منطقة حظر جوّي لا تزال تلقى معارضة حلف شمال الأطلسي لأسباب استراتيجية وعملانية وسياسية، ذلك أنّها تحتاج كما قال فابيوس في الأمم المتحدة إلى أربعة أو خمسة أضعاف القدرات العسكرية التي استخدمت في ليبيا، وهي تستوجب في كلّ الأحوال قراراً من الأمم المتحدة.
 
ثالثاً، إنّ توريد السلاح بشكل رسميّ إلى المعارضة السورية يحتاج أيضاً إلى إجماع الدول الأوروبية لرفع الحظر الذي أقِرّ في حزيران 2011.

رابعاً، ليس من المؤكّد أنّ السلاح المتطوّر الذي قد يسلّم إلى المعارضين لن يقع في يد المجموعات الإسلامية المتطرّفة في سوريا. فمن المحتمل أن ينقلب ضدّ الفرنسيين والغربيّين عموماً، كما جرى للسفير الأميركي في بنغازي، إو إذا نقله «المجاهدون العائدون» من جبهات القتال في أنحاء شتّى في سوريا إلى بلدانهم الأصلية، والدليل الخليّة الفرنسية التي تمّ اكتشافها قبل نحو ثلاثة أسابيع.

خامساً، إنّ استخدام هولاند لعبارتي «سوريا المستقبل» وبأنّه يعترف بالائتلاف وبالتالي بالحكومة المقبلة قبل أن تتشكّل وفق المقاييس التي تطالب بها باريس، ينمّ عن حرص منه لمعرفة كيف ستتشكّل «هذه الحكومة الشرعية» وهل ستلقى التأييد الشعبي في الداخل سواء من شرائح المجتمع قاطبة أو من «الجيش السوري الحر» ومن الفصائل والمجموعات المسلّحة المختلفة.

ولعلّ ما قاله هولاند في ختام مؤتمره الصحافي ردّاً على سؤال حول الإعداد للحرب ضدّ الجماعات الاسلامية المتطرفة وتنظيم «القاعدة في بلدان المغرب الاسلامي» في شمال مالي، يختصر بعض جوانب موقفه الباطني. إذ قال بما معناه: «إننا نتحدّث كثيراً عن سوريا وإيران، لكن بالنسبة لبلدنا يكمن الخطر الأكبر في الوقت الراهن في مالي ودول الساحل الأفريقي».
وعليه يمكن القول إنّه إذا كانت حرب ساركوزي في لبيبا أجبرت هولاند للإعداد لـ»حربه» على تداعيات «لعبة الدومينو» التي أطلقها سلفه هناك، إلّا أنّها في الوقت نفسه ضيّقت هامش تحرّكه الديبلوماسي والعسكري في سوريا لأنّ روسيا والصين ترفضان على ما يبدو أن تُلدغا من الجحر مرّتين.

موقع ايلاف الالكتروني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى