هل سيجرؤ العراقيون على التضحية بإبنائهم الفاسدين؟

أن يُحال نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي السابق إلى المحاكمة كما يتمنى البعض فتلك هي البداية الحقيقية للاصلاح في العراق. لكن أن يتم ذلك الاجراء بدواعي تحميله مسؤولية سقوط الموصل وحده، فذلك لا يعني سوى التستر على سياساته الهدامة التي مزقت نسيج المجتمع االعراقي مما شكل تمهيدا لهزيمة الجيش العراقي أمام قطاع الطرق من تنظيم داعش.

تلك السياسات التي لا يزال جزء مهم منها مستمرا ومكرسا هي التي أدت إلى سقوط الموصل ومن ثم الانبار وصلاح الدين. ذلك لأن الموضوع لا يتعلق بخطط عسكرية فاشلة أو بحرب لم يكن الجيش العراقي مستعدا لخوضها.

هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن التركيز على الفساد المالي الذي استشرى في العراق اثناء الحقبة السوداء التي حكم فيها المالكي قد يكون نوعا من محاولة لدفع المالكي إلى منطقة، يتم من خلالها النظر إليه بإعتباره شريكا في الفوضى وليس صانعها الوحيد وعقلها المدبر. وهو ما يجعل مسؤوليته عن الفساد تضيع بين عدد الفاسدين الذي لا يُحصى وبين عمليات الفساد التي لا يمكن ملاحقة مرتكبيها في وقت واحد.

ما ينبغي اللجوء إليه فعلا من اجل أن يتعرف الشعب العراقي على أسرار ما جرى له عبر ثمان سنوات من حكم المالكي انتهت بعجز حكومي شامل عن القيام بأقل الواجبات تكلفة هو أن يتم النظر إلى المالكي بإعتباره ظاهرة شريرة متكاملة يجب أن لا يُسمح لإحد بالقيام بتجزئتها.

فالمالكي الذي أدار البلاد بنزعة طائفية مبيتة وجد في نشر الفساد ضالته لتبديد ثروات البلاد عبر منظومة اقتصادية مغلقة لا يمكن اختراقها إلا من خلال تقص مخابراتي يستند إلى خبرة قانونية، تشترط نزاهتها بعيدا عن الولاءات السياسية التي وجدت في نظام المحاصصة الطائفية والعرقية غطاء يستر خروجها على للقانون.

المالكي هو ظاهرة غير مسبوقة في التاريخ المعاصر.

فالرجل كما هو معروف لا يملك من الصفات المؤثرة ما يجعل منه شخصية سياسية محبوبة. غير أنه من خلال تكريس الرشوة عنصرا اساسيا في الدورة الاقتصادية استطاع أن يجمع من حوله عددا من المنتفعين يفوق أعداد المنتفعين من أفراد الطاقم السياسي الآخرين الذين لا يقلون عنه سوءا.

لقد أنشا المالكي دولة، هي غير الدولة التي كان مكلفا بإنشائها، دولة ليس فيها من ذكر للعراق، البلد الذي الذي قيل إن شعبه قد سلم المالكي وسواه من سياسيي مرحلة ما بعد الاحتلال الامانة التي لم يكونوا أوفياء في الحفاظ عليها، بل كانوا أول سارقيها وأكثر العابثين بها خيانة.

وهذا ما يوضح الوضع الذي بسببه لم تقم دولة في العراق.

كانت دولة المالكي هي البديل الذي انفقت عليه أموال العراق سرا وعلانية. وهي الدولة التي لا تزال قائمة حتى اليوم بعد أن أخذها المالكي معه حين غادر موقعه الاول في السلطة التنفيذية.

لذلك فإن أية محاولة للإصلاح لابد أن تبدأ بتفكيك دولة المالكي ومصادرة ممتلكاتها وتحييد رجالاتها. وهو ما يعني قيام صدام بين دولة هي قيد الانشاء وهي الدولة المفلسة التي يقودها حيدر العبادي بشكل رسمي ودولة مترامية الاطراف، كثيرة الثروات هي تلك التي تأتمر بمنهاج الفاسدين وعلى رأسهم المالكي.

ولإن تفكيك دولة الفساد لن يكون ممكنا إلا بعد السيطرة على تحركات المالكي فإن تقييد حريته بالقانون هو الحل الامثل الذي سيمكن العراقيين من تلمس الطريق التي تقود إلى الحل الممهد للإصلاح. وهو حل لن يقع من غير تضحيات، فهل العراقيون مستعدون للتضحية بالفاسدين من ابنائهم؟

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى