هل سيلحق اردوغان بالإخوان في 2014؟ (محمد علي إبراهيم)

 
محمد علي إبراهيم


 
يبدو أن هناك ارتباطا بالحبل السري بين جماعة الإخوان في مصر وحزب الحرية والتنمية في تركيا..الارتباط لا يكمن في الصعود المتوازي للإسلاميين في القاهرة وأنقرة،ولكن ايضا في السقوط الذي لحق بالرئيس المعزول محمد مرسي ويكاد يلحق به بسرعة البرق رجب اردوغان رئيس الوزراء التركي الذي كشف عن غباء سياسي وفساد ومحاباة للأهل والعشيرة في تماثل وتوأمة مع جماعة الإخوان بمصر..
من ثم لا تسيل كل هذه الدماء في العالم العربي من المحيط الى الخليج بسبب الدين أوالطائفة، رغم إدعاء المتحاربين، ورفع الرايات السود في ساحات "الجهاد".
ولا تسقط تجربة الإسلام السياسى في تونس والسودان وتركيا ومصر بسبب الدين أو المؤامرات الخارجية، ولا بسبب الإيمان أو غيابه. فعندما يتولى الإنسان شؤونه السياسية والإجتماعية يصبح هو المسؤول عن كل شيء.عن القتل والدمار والعمران. عن القانون والحريات. وعن الحاضر والمستقبل. تصبح السياسة ظاهرة اجتماعية خاضعة لقانون التطور، للخطأ والصواب. وليست ظاهرة سماوية أو ما ورائية. هذه أمور من البداهات في العلوم السياسية والإجتماعية.
لذلك هناك ظاهرتان جديرتان بالدرس في هذا المجال. ظاهرة "الإخوان المسلمين "فى مصر، و"حزب العدالة والتنمية "فى تركيا. الحزبان قديمان ولهما قواعدهما. اعتمدا في عملهما علي الدعوة الدينية، والانخراط عضويا في المجتمع.
"إخوان "مصر أسسوا جمعيات خيرية ومؤسسات اقتصادية وساعدوا الاف الفقراء الذين قصرت الدولة في احتضانهم. حصلوا على أموال طائلة من مصادر بعضها معروف وبعضها مجهول، ساعدتهم في نشر دعوتهم. ودعمهم رجال دين لديهم طموحات سياسية. ورجال أعمال حاربوا ويحاربون أى إشراف للدولة على الثروة وتوزيعها. أي أنهم وقفوا مع "الإخوان" المؤمنين بحرية السوق، ويبررون هذا الإيمان بنصوص دينية. هم يحاكون الرأسمالية الأميركية.
الحسنات والهبات التى كان "الإخوان" يوزعونها، مرفقة بجرعات كبيرة من الإيمان، وعدم وعى الفقراء أن الحسنة ليست حلاً لمشكلتهم بل تأسر حريتهم في المطالبة بحقوقهم، أمنت للحزب قاعدة شعبية كبيرة حملته الى السلطة، آملة أن تدوم حسناته وتكثر.
لكن بوصولهم الى الحكم تبين أنهم لا يملكون أي تصور للإقتصاد، ولا أي رؤية إستراتيجية، كل ما فعلوه كان لخدمة بقائهم في سدة الحكم، والتمكن من مؤسسات الدولة، متجاهلين كل ما هو ليس "إخوانياً" فسقطوا في الإمتحان.
وها هم اليوم مطاردون وسيعودون الى العمل السري تحت الأرض، وفي هذا خطورة عليهم وعلى المجتمع. ويزعم البعض أن السلطة المصرية ارتكبت خطأ كبيراً عندما اعتبرتهم ارهابيين وستطبق عليهم أحكام القانون الخاص بالإرهاب، فهم رغم أخطائهم ما زالوا سياسيين مصريين يجب التعامل معهم على هذا الأساس، ووضعهم أمام مسؤوليتهم التاريخية ومطالبتهم بالشفافية في العمل ومحاسباتهم حين يخدمون مموليهم في الخارج والداخل.
تجربة "العدالة والتنمية" في تركيا تشبه تجربة "الإخوان" المصريين في كثير من سلوكياتها ومسيرتها. اعتمد الحزب على أموال رجال أعمال. أسس شركات. أشرف على مدارس دينية. وزع حسنات على الفقراء. اشتهر بنظافة الكف حين وصل الى رئاسة عدد من البلديات، قبل أن يتسلم السلطة. أهم داعميه ماليا ومعنويا رجل الدين والأعمال فتح الله جولن المقيم في أميركا. أسس الرجل مئات المدارس ومئات الشركات، ولديه أعمال تجارية تقدر ببلايين الدولارات في أنحاء العالم.
وإلى جانب جولن يدعم الحزب رجال أعمال اخرون وشبكة من الإعلاميين وخريجى المدارس "الدينية "هؤلاء شكلوا جماعة ضغط هائلة تعمل لمصلحة الحزب.
لكنه بعد 12 سنة من تسلم رجب طيب أردوغان زعامته ووصوله الى الحكم، مع شريكه عبد الله جول، بقى يتصرف حزبيا مثله مثل "إخوان "مصر، عمد الى التمكن من كل مؤسسات الدولة، مقصيا من لا يؤيده. خاض أردوغان صراعا قاسيا مع المؤسسة العسكرية. أقصى كبار الضباط من القيادة، بذريعة تدبيرهم إنقلابا عليه. عزز الشرطة. شكل جيشا اخر في موازاة الجيش. أقصى قضاة ومسؤولين كباراً بحجة الفساد. وعندما بدأ عملية التغيير في قيادة الشرطة، حيث نفوذ جولن كبير جدا، بدأ الصراع بين الرجلين. وبدأت فضائح الفساد المتهم بها وزراء ومسؤولون مقربون من أردوغان تظهر الى العلن، وتكاد تطيحه من الحكم، وهو على أبواب الانتخابات بعد شهور..
أما في السياسة الخارجية، فالطرفان في مصر وتركيا ارتكبا من الأخطاء ما لا يحصى. احتضنا "حماس "لأنها فرع لـ" الإخوان ". أبعداها عن المقاومة. جمعا من الاعداء أكثر من الأصدقاء، في العراق وسورية وإيران ودول الخليج. حاولا قيادة المنطقة من منطلق إخواني. غابت عنهما تعقيداتها. نسيا أن المجتمع الإسلامي، مثل اي مجتمع اخر، خاضع للتطور، ولعوامل الاجتماع. لا نستطيع تأبيده في قالب واحد، دينياً كان أو غير ديني.
"الإخوان" في مصر وتركيا ظاهرة اجتماعية علاقتها بالدين سياسية خاضعة للتغيير.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى