تحليلات سياسيةسلايد

هل سيُقدّم مُؤتمر سلام أوكرانيا الذي ستستضيفه السعوديّة في الأيّام المُقبلة طوق النّجاة لبايدن وزيلينسكي للخُروج من الحرب بأقلّ الخسائر؟

عبد الباري عطوان

لم يتحدّد بعد موعد انعِقاد مُؤتمر السّلام لإنهاء الحرب أوكرانيا  ، أو تجميدها، الذي من المُقرّر أن تستضيفه المملكة العربيّة السعوديّة، ولكن حالة الاستِعجال التي تطلّ برأسِها بقوّةٍ هذه الأيّام، خاصّةً من أمريكا ودول أوروبيّة، ويتحدّث عنها بعض المسؤولين في الغرب همسًا، تُوحي أن هذا المُؤتمر قد ينعقد في غُضون أسبوعين، وما يجعلنا نقول ذلك وجود شبه إجماع في أوروبا وأمريكا على فشلٍ فاضحٍ للهُجوم الأوكرانيّ المُضاد، الأمر الذي يتطلّب البحث عن مخارجٍ من هذه الحرب تقليصًا للخسائِر.

لا نستبعد أن يكون الهدف الرئيسيّ من زيارة جيك سوليفان مُستشار الأمن القومي الأمريكي للرياض، واللّقاء المُغلَق الذي عقده مع الأمير محمد بن سلمان كان بهدف تسريع انعِقاد هذا المُؤتمر، وأن كُل ما قيل عن تركيزه على مسألة تطبيع العُلاقات بين الرياض وتل أبيب ربّما كان تمويهًا لإخفاء الهدف الحقيقيّ، أيّ إيجادِ مخارجٍ لأمريكا وحُلفائها من الحرب الأوكرانيّة عبر البوّابة السعوديّة “المُحايدة”.

هُناك سبعة مُؤشّرات مُهمّة تؤكّد هذا التوجّه الأمريكيّ الغربيّ الباحِث عن صيغة لإنقاذ ماء الوجه، والخُروج بسُرعةٍ من الحرب الأوكرانيّة قبل مجيء موسم الشّتاء:

الأوّل: تراجُع بحُضور فولوديمير زيلينسكي الرئيس الأوكراني في المحافل الدوليّة، وفُتور الاهتِمام به، بل وتوجيه حزمة من الانتِقادات له وغطرسته، فأين زيلينسكي اليوم بالمُقارنة لِما كان عليه في بداية الحرب؟ ولن نُفاجَأ باختِفائه كُلّيًّا من مسرح الأحداث.

الثاني: تأكيد صحيفة “بوليتيكو” الأمريكيّة المعروفة أن الدّول الغربيّة الدّاعمة لأوكرانيا أُصيبت بخيبةِ أملٍ شديدةٍ بسبب فشل الهُجوم الأوكراني المُضاد، وأن مكاسب الجيش الأوكراني على الجبهة الشرقيّة لم تَزِد عن التقدّم لبضعةِ أمتارٍ فقط.

الثالث: تحذير العقيد لورانس ويلكرسون مدير مكتب كولن بأول وزير الخارجيّة الأمريكي السّابق بأنّ أوكرانيا قد تخسر أوديسا الاستراتيجيّة قريبًا جدًّا بعد فشل هُجومها المُضاد، وتكبّدها خسائر كبيرة.

الرابع: سيرغي شويغو وزير الدّفاع الروسي حدّد هذه الخسائر التي تكبّدها الجيش الأوكراني مُنذ بدء الهُجوم المُضاد كالتّالي: مقتل 25 ألف جُندي وضابط، وتدمير 3 الآف وحدة عسكريّة ثقيلة من بينها 1244 آليّة مُدرّعة، 17 دبّابة من نوع ليوبارد الألمانيّة الصّنع، 15 دبّابة من طِراز برادلي الأمريكيّة، و5 دبّابات فرنسيّة “إيه إم إكس”.

الخامس: كشف صحيفة “الغارديان” البريطانيّة أن قائد الجيش الأوكراني فاليري زالوجني فُوجِئ برُضوخ زيلينسكي للضّغوط الأمريكيّة الأوروبيّة للاستِعجال ببدء الهُجوم المُضاد رُغم أنّ قوّاته لم تكن مُؤهّلةً وجاهزةً له.

السّادس: انسِحاب روسيا من اتّفاق تصدير الحُبوب عبر البحر الأسود كردٍّ أوّليٍّ على الهُجوم المُضاد كان “ضربة معلّم” وخرجت بسبب انسِحابها هذا المُستفيد الأكبر، لأنّه أدّى إلى جعلها الوحيدة تقريبًا المُصدّرة للحُبوب، ودعم خزينتها بمِليارات الدّولارات الإضافيّة من جرّاء ارتِفاع أسعارها، والحدّ من قُدرة الحُبوب الأوكرانيّة في التّواجد في الأسواق العالميّة، وإنهاء مُنافستها تقريبًا.

السّابع: قوّات فاغنر بدأت تتحشّد على الحُدود البولنديّة الشرقيّة مع بيلاروس، استِعدادًا لعمليّاتٍ عسكريّةٍ في العُمُق البولندي، واتّهمت طائرات مروحيّة بيلاروسيّة باختراقِ أجوائها، ممّا يعني أن بوتين سينقل الحرب إلى بولندا التي تُعتَبر رأس الحرب لأمريكا في الحرب الأوكرانيّة.

لُجوء زيلينسكي إلى حركاتٍ استعراضيّةٍ مسرحيّةٍ مثل إرسال طائرات مُسيّرة إلى موسكو، وجرى إسقاطها جميعًا لتحقيق أهدافٍ نفسيّة، لن يُخفي فشله وهُجومه المُضاد في هذه الحرب، وسيُجبره على التخلّي عن غطرسته، والسّعي مُكرَهًا للدّخول في مُفاوضاتٍ مع الخصم الروسيّ، والتخلّي بالتّالي عن مُعظم، إن لم يكن جميع شُروطه المُسبقة، وأبرزها الانسِحاب الروسي الكامِل من الأقاليم الخمسة في شرق البِلاد، والانضِمام لحِلف النّاتو فالضّغوط الغربيّة تتصاعدُ بشَكلٍ لافت في هذا الصّدد، ولن يستطيع مُقاومتها.

فعندما يُبرّر زيلينسكي فشل الهُجوم المُضاد بالقول إن “الطّقس لم يكن مُلائمًا” فهذا يعني بداية الاستِسلام، فإذا كان طقس الصّيف الرّائع والجاف في أوروبا الشماليّة غير مُلائم، فكيف سيكون الحال في موسم الشّتاء حيث الثّلوج والعواصِف وانعِدامٍ شبه كامِل للوقود والكهرباء؟

السّؤال الذي يطرح نفسه: هل سيُقدّم مُؤتمر السعوديّة حول أوكرانيا طوق النّجاة لزيلينسكي وحُلفائه في أمريكا والغرب، ويُقلّص من خسائرهم ويُوفّر لهم جميعًا مخرجًا، وإن كان غير مُشرّف، من الحرب الأوكرانيّة؟

الجواب: لا نستبعد ذلك، والكتابة واضحة على حائط الأحداث.. والأيّام بيننا.

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى