هل شاخت دمشق في مسلسل “فوضى”؟!
دمشق ــ خاص بوابة الشرق الأوسط الجديدة
” المدن لاتشيخ بتعاقب العصور، بل بتراكم الإهمال!”
هذه هي العبارة التي بدأ فيها مسلسل “فوضى” قبل الانتقال للصور الأولى فيه، والتي فتحت على ثلاثة معطيات: دمشق، والكومجي، والناس!
تفرض العبارة المذكورة كآبة نوعية على كل من يتوقف عندها، وهو يعلم أنها تتعلق بدمشق عبر رواية تلفزيونية لكاتبين فذين هما : حسن سامي اليوسف ونجيب نصير.
إن مرد هذه الكآبة يعود إلى أن سبع سنوات عجاف من الموت والخراب مرت على المدينة، وعندما بدأ عرض المسلسل، كان دخان الحرب والدمار، لايزال يتصاعد من أحد أطرافها “مخيم اليرموك” الذي عاش فيه حسن سامي اليوسف عمره ويعتبره نجيب نصيره مكانا مفتاحيا في حياة الكثيرين !
توحي اللقطات الأولى، التي تتكرر المشاهد في أجوائها، بأن المكان هو أحد أحياء دمشق التي غصّت بالسكان وخاصة بعد موجات النزوح الكبيرة التي اجتاحتها بعد تصاعد المعارك في الريف المحيط بها ناهيك عن بقية أنحاء سورية .
وإذا كان المخرج سمير حسين، محظوظا في توفر هذا النص بين يديه، فإن الحشد الذي وظفه من الممثلين ساعده أكثر في رسم النبض واللهاث الذي يتصاعد من الرواية، ولذلك شاع الحديث سريعا عن متابعة واسعة من الناس لهذا المسلسل رغم زخم المسلسلات المبهرة على الأقنية التلفزيونية التي تحيط بمتابعي أعمال رمضان على مدار ساعات الليل والنهار .
في دمشق تفتح المدينة على حرب لا أحد من (العامة) يمكنه فهمها، لذلك عكست اللقطات المأخوذة التي تتابع حركة الناس حقيقة هذه الفكرة فهم في شرود مستمر تجاوز الدهشة إلى اللامبالاة أحيانا، وتجاوز الحزن إلى البلادة في أحيان أخرى.. وعندما تحتدم الوقائع أمام هؤلاء الناس، نكتشف في ردود أفعالهم السر الحقيقي الذي يمكن أن تشيخ المدينة على أساسه، وهو (الفجيعة) ليس لأنها تقع في أقدم عاصمة في التاريخ، بل لأنها بلا أفق كما تحكي كل الشخصيات بشكل أو بآخر!
واحدة من فجائع الحرب تقدم لنا مفاتيح المسارات الدرامية المتشابكة في مسلسل “فوضى”، حيث نفاجأ بأننا أمام تداعيات سقوط قذيفة، ولكن المخرج تركنا نخمن أنه انفجار أو قصف أو سيارة مفخخة تستدعي ذهاب شخصيتين من شخصيات المسلسل الأساسية الكومجي أبو الخير(فادي صبيح) وزيدان(عبد المنعم عمايري) في إيقاع درامي متشابك للتعرف على مصير الفتاة فتحية (رشا بلال) التي يحبها زيدان ، لنكتشف أنها فقدت عائلتها بالكامل (بيت أبو كمال)، ولم يعد لها أحد يأويها، وهنا تأتي الفرصة في غير وقتها ليسارع زيدان لاحتضانها وكأنه ينتهز الفجيعة لإثبات حبه لها.
هذا الحدث المحوري في الحلقة لم يأخذ كثيرا منها، فرشاقة الكتابة الدرامية قدمت لنا الصورة كاملة عن مفاتيح الرواية بثقة بالغة في النفس، ودون إقحام مباشر وغير مدروس، فنحن أمام قصص حب كثيرة مفجعة ، وأمام مآسي اجتماعية وفساد ، يفتح المجتمع أبوابه على مصراعيه فيكشف عن مصائر الناس في ظل الحرب..
أي ببساطة نحن أمام مفاتيح درامية سنكتشف بعد حين أنها قادرة في سياق حركتها الروائية التلفزيونية على تقديم صورة الحرب والمأساة من خلال حياة ضحايا النزوح من ضواحي وأحياء مدمرة وضحايا الفساد من خلال نموذج القضاء وضحايا الاعتقال العشوائي و ضحايا الانترنت وضحايا المخدرات ..
يمسك أبو الخير (الكومجي) بالسلسلة، وعن طريقه نتعرف على الخط الدرامي الذي يأخذنا إلى مأساوية زواج زيدان من زوجة أخيه فارس التي كانا يحبانها معا، وكان يظن أنه أحق من أخيه لكن فارس سبقه وتزوجها عرفيا، ثم اختفى أي ضاع أو خطف أو مات وبقيت هي وحيدة بعد وفاة أهلها، ولذلك ضيّق زيدان الحصار عليها فتزوجها، وهي حامل ، فإذا بنا نشاهد عودة فارس من المعتقل للدخول في صراع يحكم أبو الخير السيطرة عليه ليحله في وقت ندخل نحن في سلسلة أخرى حيث تعيش امرأة (ديمة قندلفت) تحتاج إلى غسيل كلوي دائم مع ابنتها (هيا مرعشلي) وحيدتين فتتعرف الأم على أبو الخير فتحبه وتتعرف الابنة على فارس فتحبه ويظل الكومجي (أبو الخير) في هذه السلسلة عاملا أساسيا على مفارق الطرق التي تأخذنا دائما إلى صورة أوسع هي صورة دمشق وهي تعيش الحرب العالمية عليها !
في السياق نجد أنفسنا نحن أمام أسرة بائع السمك (أيمن رضا) وفيها زوجته وشقيقتها في خلاف حول طريقة تزويج ابنته عبر الانترنت، وعن طريق أبي الخير أيضا ندخل في تفاصيل مأساة المحامي راتب (سلوم حداد) الذي تكشف لنا قصته كيف كسرت الحرب هيبة القانون رغم أنه ضعفه قبل الحرب، فنجد المحامي راتب ضعيفا أمام سطوة المتنفذين وأثرياء الحرب الذين يريدون أن يخون موكله ، ومن خلال مكتب هذا المحامي نتعرف على قصة حبه مع امرأة مطلقة (نادين تحسين بك) ، وعلى مسار فتاة لامبالية تراقب الحركة من خلال كاميرات تتصل بالمكتب المواجه لمكتب المحاماة ..
نحن أمام مجموعة قصص في رواية، يؤديها فنانون نجوم بدءا من محمد خير الجراح وديمة قندلفت وسلوم حداد وأيمن رضا و زهير رمضان ووصولا إلى إمارات رزق، وسوسن ميخائيل و نادين تحسين بك ومرح جبر ورشا بلال ومحمد قنوع، ومرورا بنجوم المسلسل المتفاعلين مع مختلف الأحداث عبد المنعم عمايري وفادي صبيح وسامر اسماعيل..
سجل مسلسل (فوضى) قفزة مهمة في الأعمال المحلية، وذلك بعد ظهوره للحياة إثر الخلاف المعروف الذي وقع العام الماضي مع الشركة المنتجة وكاتبه مما دفعه لكتابة تعليق يقول فيه “هذا واحد من الموضوعات التي يناقشها مسلسل فوضى». واستطرد شارحاً «لكنني الآن لست بمحتوى المسلسل، بل بلملمة الفوضى التي نتجت عن إيقافه” .