هل فقدت انقرة بوصلتها السياسية؟

ترجمة: د. عبدالله جاسم ريكاني

قبل بضعة أعوام فقط، كانت سياسة تركيا الخارجية حديث المجالس في المنطقة وخاصةَ عندما تبنت الشعار البراق” صفر مشاكل ” مع الجيران، هادفةً الى تحسين علاقاتها مع جاراتها من دول المنطقة وابراز دورها بشكل تدريجي كواحدة من القوى الرئيسية في المنطقة.

لقد كانت نموذجاً في تعزيز قوتها الناعمة عن طريق اجراء الاصلاحات الديموقراطية والاقتصادية في الداخل متزامنةَ مع دبلوماسية فطِنة في الخارج جعلت من انقرة وسيطاً جيداً لحل مشاكل المنطقة العسيرة.

ولكن، هذه الدبلوماسية تعاني من تخبط كبير في هذه الايام، لا بل واصبحت ضحية لارتدادات ما يسمى بالربيع العربي وخاصة في سوريا؛ ومن الغطرسة والحسابات السياسية الخاطئة في الداخل والخارج التركي، وغدت علاقاتها مع كل جيرانها ” باستثناء اقليم كردستان”، سيئة وفاقدة للمصداقية. كما ان التوترات والمشاحنات بينها وبين امريكا ودول الاتحاد الاوروبي وروسيا قد زادت بشدة.

وإذا كانت قد بقي هناك اي تأثير او مصدر قوة لانقرة اليوم، فإنه يعود الى اهمية موقعها الجيوبوليتيكي ليس إلاً، و الذي يعطيها ميزة قربها من سوريا و دورها في تخفيف عبء اللاجئين. إذن كيف اُحبطت او فشلت الطموحات الدولية لتركيا؟

انه سؤال ذو عدة اجوبة:

اوهام داء العظمة للرئيس اردوغان، رغبته في تحويل نظلم الحكم البرلماني في تركيا الى نظام رئاسي على مقاسه هو، وانهيار عملية السلام مع الكرد كواحدة من مضاعفات الازمة السورية، كل هذه الاسباب مجتمعةً ساهمت في تدمير السياسة الخارجية التركية التي كان يعوًل عليها يوماً ما.

تركيا والربيع العربي:

حتى قبل الربيع العربي، برزت هناك اعراض تشير الى تعثر السياسة الخارجية التركية. في عام 2009، وبعد سبعة سنوات من الدور المحافظ الذي لعبته، كانت الانجازات التي حققتها تركيا، ملفتة للنظر. نمو اقتصادي سريع، تحويل اسطنبول الى محور عالمي، تعزيز الديموقراطية التركية، وتدجين المؤسسة العسكرية القوية، تمكن حزب العدالة و التنمية من تحقيق الفوز تلو الاخر في الانتخابات التركية بعد ان اعجب الشعب التركي بإنجازاته.

ولكن وبعد ان تمكن الرئيس أردوغان من تعزيز موقعه في الداخل التركي وخاصةً بعد انتخابات عام 2007، تحول تدريجياً ليصبح “هاوي مشاكل”. حيث بداً اولاً بمسرحية استعراضية مع الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز في المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2009، عندما تهجم على سياسة اسرائيل في غزة وتسبب في انهيار العلاقات بين الطرفين، كما انها احدثت انقسامات حادة في العالم العربي بعد ان ارتفعت شعبية اردوغان وتركيا بشكل كبير بين العرب وتدفق الملايين من العرب اليها بغرض السياحة والبحث عن الفرص الاستثمارية فيها.

وأعقب ذلك، قرار منظمة تركية قريبة من حزب العدالة والتنمية، ارسال سفينة مساعدات الى غزة و تحدي الحصار الاسرائيلي عليها. ولقد أدت النتائج الكارثية لهذه الخطوة التركية الى انهيار العلاقات كاملة بين الدولتين بعد ان تم قنل تسعة من الاتراك العاملين على السفينة من جراء انزال عسكري اسرائيلي على السفينة.

ومع بروز الربيع العربي، قرر الاتراك و الامريكان العمل معاً بشكل قريب و ظهر هذا جلياً في تنسيق اقوالهما و افعالهما في الاطاحة بالرئيس المصري محمد حسني مبارك و في تزويد الجيش السوري الحر بالاسلحة و المعدات.

كما انها أبرزت نفسها في شخص السيد اردوغان وحزبه، كموديل للتزاوج الناجح بين الاسلام والديموقراطية في المنطقة. في أوائل عام 2010، وصف الرئيس أوباما تركيا “بالدولة الاسلامية الديموقراطية العظيمة ونموذج مهم جداً للدول الاسلامية الاخرى في المنطقة”.

وفي عام 2012، وصف أوباما السيد أردوغان كواحد من خمسة قادة كبار في العالم تربطهم به علاقة وثيقة. ولكن تركيا ارادت ان تكون اكثر من موديل للمنطقة. الانتفاضات في مصر وتونس وسوريا و التي سيطرت عليها أخيراً حركة الاخوان المسلمين و التي ترتبط بعلاقة قوية مع قادة حزب العدالة و التنمية الاردوغاني، وفًرت لأنقرة دوراً نشطاً كونها الحليف الاقليمي الاكبر لهذه الحركة.

في أعقاب الربيع العربي، تصورت القيادة التركية بأنها من الممكن ان تصبح القوة القيادية الرائدة للمنطقة، كما صرًح بذلك وزير الخارجية التركي آنذاك احمد داود اوغلو عندما قال: ان تركيا ستقود رياح التغيير التي تهب على الشرق الاوسط ليس بصفتها كصديقة للعرب، بل كدولة تتولى عملية تنسيق وتنظيم حركة التغيير و النظام الجديد في المنطقة.

لقد وصلت اللحظة التي تنتظرها تركيا ولكنها لم تدم طويلاً لان السيد اوغلو الذي كان يعوٍل على النظام الجديد تحدث بعدئذٍ عن انتكاسة الديموقراطية عندما تم إسقاط حكومة الاخوان المسلمين في مصر من قبل المظاهرات الشعبية العارمة والمدعومة من قبل الجيش المصري والتي أدَت الى تدهور حاد في العلاقات بين اردوغان والنظام الجديد في مصر.

أما في سوريا، فقد أدت المقاومة العنيدة لنظام بشار الاسد في وجه الانتفاضة المسلحة التي هبَت ضده والمدعومة بقوة من قبل تركيا، الى انقلاب اهداف السياسة الخارجية التركية. كيف غير الوضع في سوريا كل شئ: قبل انتفاضة عام 2011، كان ينظر الى سوريا كنموذج ناجح لسياسة “الصفر مشاكل” الخارجية لتركيا. بعد وصول حزب العدالة و التنمية الى السلطة بفترة وجيزة، تمكن رجل سوريا القوي بشار الاسد و أردوغان في إقامة علاقة قوية تكاد تكون شخصية بينهما.

كما و دعًم اردوغان بدأ محادثات غير مباشرة بين اسرائيل و سوريا و مضى قدماً في دعم حزب البعث السوري على الرغم من معارضة الامم المتحدة و امريكا و فرنسا و التي كانت تضغط على سوريا لسحب قواتها من لبنان. عندما بدأت المظاهرات السلمية في سوريا، حاول اردوغان في البداية منع بشار الاسد من الاستسلام لنفس المصير الذي آل اليه القادة في مصر وتونس ونصح الاسد في البدء بإجراء اصلاحات ليس من الضروري ان تكون جذرية و لكن جهوده ذهبت بدون فائدة تذكر.

وعندما بدأ الاسد بسحق الانتفاضة عسكرياً، انقلب عليه صديقه وحليفه القديم. هناك عدة عوامل ساهمت في قرار اردوغان هذا: الغضب من عدم انصياع الاسد الى نصيحته، الادراك بأن الاسد سوف ينهار في كل الاحوال، اعتقاده بأنه باستطاعته تشكيل النظام السوري الجديد حسب هواه، وأخيراً، التصعيد الدراماتيكي للعنف الذي حدث في شهر رمضان المبارك في 2011، و الذي فسًره اردوغان بانه موجه ضد المتظاهرين السنة في سوريا. عندها، بدأ اردوغان ينادي بإسقاط نظام الاسد وأعلن للعامة بأن نظام الاسد الدكتاتور سيسقط خلال بضعة اشهر. وبعدها بفترة قليلة، صرًح في ايلول 2012، بأنه سيذهب ليصلي في جامع دمشق الأموي مع إخوته المتظاهرين السوريين.

ولكن الاسد لم يسقط بتلك السهولة. كما ان التباين بين رغبات اردوغان في رؤية نظام الاسد وقد حل محله نظام موالي له من الائتلاف السني و بين حقيقة العناد و الصمود الذي أبداه الاسد في الامساك بالسلطة، كانت بمثابة خيبة أمل كبرى لأردوغان و أجبرته على المضي قدماً في سياسة التصرف لوحده و بإنفراد و معزل عن المجتمع الدولي، و حدث شرخ كبير بينه و بين امريكا عندما أعرب اردوغان عن خيبة أمله من سياسة الرئيس اوباما و رفضه الدخول في المعمعة السورية على الرغم من عدد الضحايا الكبير جداً و الذين قتلوا على أيدي قوات النظام.

كما ان القطيعة بين اردوغان والنظام كانت نقطة البداية لتبني تركيا، سياسة طائفية داعمة للطائفة السنية والتي أصبحت تتوضح اكثر و اكثر بمرور الوقت. لقد أدت سياسة اردوغان في السماح لآلاف المقاتلين الاجانب في عبور حدودها والانضمام الى قوات المعارضة السورية، الى زيادة التطرف بين المجموعات المسلحة والى زيادة التوتر بين انقرة و امريكا و اوروبا. كانت الحكومة التركية تعرف ان معظم هؤلاء المقاتلين سينضمون الى الجماعات الجهادية مثل النصرة وغيرها و مع هذا سمحت لهم بالعبور لان المقاتلين المحليين المعتدلين فشلوا في الاطاحة بنظام الاسد.

الجماعات الجهادية كانت متمرسة اكثر في القتال و مستعدة اكثر للموت في سبيل القضية و كان يعتقد ان بإمكانها اكمال المهمة التي فشلت فيها المجموعات السورية المسلحة الاخرى ثم بدأت النتائج غير المقصودة و غير المتوقعة من جراء تجمع عشرات الالاف من هؤلاء المقاتلين الاجانب على الارض السورية في الظهور.

العديد من هؤلاء المقاتلين انجذبوا الى الدولة الاسلامية وكونوا منها القوة التي نعرفها اليوم. في عام 2013، وخلال زيارة لواشنطن، شدًد الرئيس الامريكي اوباما على أردوغان طالباً منه التوقف عن دعم الجهاديين وخاصة جبهة النصرة ومنع عبورها خلال الحدود التركية.

ولكن في ذلك الوقت كانت البنية التحتية للجهاديين في تركيا قد تحققت وبدأت تربك المسؤولين الامنيين الاتراك ولحد اليوم. لقد كانت الدولة الاسلامية المستفيد الاكبر من الحدود التركية الرخوة وسهلة العبور. وكانت البنية التحتية التي تأسست في تركيا بالأصل لدعم الجهاديين، قد اصبحت قاعدة ارتكاز لضرب المدن التركية نفسها، ابتداءاً ب دياربكر، سروج، انقرة،

وأخيراً اسطنبول.

التفجيرات الثلاثة الاولية استهدفت الكرد واليساريين الترك تاركةً وراءها 135 قتيلاً، و التفجير الاخير استهدف منطقة سياحية في اسطنبول مخلفاً وراءه 11 قتيلاً من السواح الالمان. كما ان الدولة الاسلامية تمكنت من اعدام المعارضين السوريين لها في داخل تركيا نفسها متمتعةً بالحصانة التي وفرتها لهم تركيا.

القضية الكردية:

لقد كان تعاظم قوة الكورد في سوريا أحد أهم النتائج المباشرة لتدهور الوضع الامني و السياسي و الفوضى في سوريا. لقد تمكن الكرد المحرومين من حقوقهم و المضطهدين على ايدي كافة الانظمة التي تعاقبت على حكم سوريا، من الاستفادة من تشرذم الدولة السورية في السيطرة على المناطق التي يشكلون فيها الاغلبية السكانية.

ثم وجدوا لهم حليفاً قوياً في امريكا: عندما تمكنت الدولة الاسلامية من التقدم لاحتلال مدينة كوباني الكردية في اكتوبر 2014، قامت القوة الجوية الامريكية بقصف هذه المجاميع الجهادية وتأسيس علاقة قوية و غير اعتيادية مع الكرد الذين أثبتوا انهم من اهم القوى العسكرية على الارض السورية التي تمكنت من طرد الدولة الاسلامية من الاراضي التي احتلتها. ولكن هذا الحلف المتنامي مع الكرد جاء على حساب تركيا.

الحركة الكردية المسيطرة على الارض في سوريا (حزب الاتحاد الديموقراطي)، هو حليف ان لم يكن منظمة تابعة لحزب العمال الكردستاني ومتمرسة على القتال بشكل جيد. لقد قالت واشنطن بوضوح انها تميز بينها وبين حزب العمال على الرغم من العلاقة الوثيقة بينهما.

من الناحية القانونية، يعتبر حزب العمال على قائمة المنظمات الارهابية الامريكية ولكن القائمة هذه لا تشمل حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي وقد استلم الحزب دعماً عسكرياً من امريكا ضد الدولة الاسلامية. ومع تعمق العلاقة بين الطرفين الامريكي والكردي، ولإرضاء تركيا، لم يدعُ الامريكان حزب الاتحاد الديموقراطي للمشاركة في مباحثات جنيف حول الازمة السورية.

لقد كان الانتصار الكردي في كوباني بمثابة الضربة القاضية لعملية السلام التي كانت تجري بين تركيا و الكرد. و لقد وجه اردوغان أشد الانتقادات للتدخل الامريكي في كوباني و اعتبر هو و حزبه الكرد أشد خطراً عليها من الدولة الاسلامية. في شباط، 2015، أنكر اردوغان الاتفاقية التي ابرمها مساعدوه مع حزب الشعوب الديوقراطي وحزب العمال. الوثائق التي سربت حديثاُ، تشير الى النقطة المفصلية كانت خوفه من ان يستنسخ الكرد في سوريا، تجربة الكرد في العراق وخلق منطقة حكم ذاتي شبه مستقلة على الحدود الجنوبية لتركيا.

في الصيف الماضي، نشبت الحرب ثانيةً بين تركيا و جزب العمال الكردستاني للثأر من حزب العمال. منذ انتخابات حزيران الماضي، تم قتل 256 رجل امن تركي والضحايا بين صفوف حزب العمال اكيد أكثر. التدمير الي طال المدن الكردية مثل الجزيرة ودياربكر وسيلوبي من جراء فتح نار الدبابات عليها و على الشباب اليافعين من مقاتلي حزب العمال الذي قرروا مقاومة الشرطة و العسكر التركي كان كارثياً.

لقد ادرك اردوغان ان سيطرة الكرد على كوباني تمثل نقطة الفصل للحظوظ الكردية و مستقبلهم في المنطقة، و كان عليه ان يختار بين احد أمرين لا ثالث لهما، إما ان يتعاون مع الكرد أو يقمع الكورد، و لقد اختار الخيار الثاني. وعندما تمكن الكرد من تقويض موقع اردوغان على الصعيد المحلي و الدولي، وجد الرئيس التركي أيديه مشدودة أكثر في سوريا عندما تدخل الروس في سوريا لدعم الاسد.

وبحركة غبية، قامت المقاتلات التركية في نوفمبر 2015، بإسقاط قاذفة تركية كانت قد خرقت الاجواء التركية لعدة ثوان فقط. لقد كلف هذا العمل تركيا، خسائر كبيرة اقتصادياً وسياسياً وعسكرياُ من جراء انتقام الرئيس الروسي بوتين. لقد أخطأ اردوغان في الحكم واختبار بوتين، لان اسقاط الطائرة نجم عن خيبات الامل والاحباط الذي اصاب اردوغان من جراء فشلة المتكرر في سوريا والنجاحات التي حققها الروس والايرانيون في تعزيز الجيش السوري ضد حلفاء تركيا في سوريا.
كما ان تأثيرات الحرب الاهلية في سوريا وضعت تركيا في موقع خلاف مع ايران ايضاً. منذ بداية الحرب في سوريا و حتى نهاية عام 2015، عندما تدخل الروس بشكل مباشر و توضح دور جيش القدس الايراني، اتفقت كل من تركيا و ايران على ان لا يتفقوا حول هذا الموضوع بالذات. ان العلاقات الاقتصادية المتشعبة بين ايران و حكومة اردوغان و بضمنها عمليات بيع واسعة و كبيرة للذهب، والاعتماد التركي على الغاز الايراني، وحاجة ايران الى عملة صعبة اجنبية حصلت عليها من هذه الصادرات ساعدت الدولتين على تجنب الدخول في صراع علني.

السيد اردوغان لم يتخلى عن حلمه في ان يكون ذا نفوذ قوي في المنطقة، و قد اعلنت تركيا بأنها ستقيم قاعدة عسكرية في قطر وستبدأ بتدريبات عسكرية في الصومال. يمتاز الرئيس اردوغان بأنه يستطيع تغيير مواقفه و سياساته في لمح البصر كما حدث مؤخراً عندما بدأ بضخ الحرارة في علاقاته مع اسرائيل. التقارب مع اسرائيل يفتح احتمالاً قوياً في تأسيس و مد انابيب الغاز من شرق المتوسط الى تركيا عبر قبرص.

ما هي الخطوة التالية لاردوغان:

يواجه اردوغان ثلاثة تحديات متشابكة. انه يسعى بلا هوادة و تعب لتغيير الدستور التركي و حصر كافة الصلاحيات التنفيذية في منصب الرئاسة تمكنه من قيادة تركيا غير مقيدة بدستور؛ النزاع المتصاعد و المتزايد مع الكرد يهدد بانفصال الكرد عن الدولة التركية؛ والتدهور الملحوظ في الوضع السوري تنذر ليس فقط في تهييج الصراع مع الكرد في الداخل التركي، وإنما الى اضعاف علاقة تركيا مع امريكا لان واشنطن مستمرة في تعزيز علاقاتها مع الكرد في سوريا.

قد يتمكن اردوغان من تحقيق بعض احلامه مثل تغيير نوع الحكم الى النوع الرئاسي، و لكن الثمن سيكون انقسامات اكبر و اوسع بين اطياف المجتمع التركي و بين تركيا و حلفائها التقليديين. السيد اردوغان واثق من ان رؤيته الخاصة لحل المشكلة الكردية ستنجح و هو يعتمد في هذه النظرة الى إمكانية انقلاب الكرد على حزب العمال الكردستاني. و لكن و في الوقت ذاته، فإن المعاناة التي يتجرعها الكرد في المدن الكردية الكبيرة في تركيا، ستكون لها تأثير دائمي و مزمن على المجتمع الكردي.

بالنسبة للوضع في سوريا، هنالك تناقض و تباعد واضح في الاولويات بين كل من تركيا و امريكا و اوروبا.

بالنسبة لحلفاء تركيا الاوروبيين، الاولوية هي الحاق الهزيمة بالدولة الاسلامية، بينما بالنسبة لانقرة، هو اسقاط نظام بشار الاسد و منع حصول الكرد على منطقة حكم ذاتي في سوريا. ان استمرار المحنة الكردية في الداخل التركي سيدفع انقرة اكثر للابتعاد عن حلفائها فيما يتعلق بسوريا. جوهر المسألة هي ان سياسة تركيا الخارجية الحالية لا تتمحور حول دولة تركيا و انما حول السيد اردوغان نفسه.

التخبط السياسي في داخل تركيا و خارجها هو سيد الموقف حالياً، حيث بدأ الرئيس في اتخاذ سلسلة من السياسات غير الليبرالية في الداخل من شأنها ان تهمش المؤسسات القائمة و اعادة ترتيبها حسب مقاسه. ان وجود الرئيس الطاغي و موقعه غير القابل للتحدي يعني ان السياسة الخارجية التركية هي نتيجة لوجهات نظره، نزواته و افضلياته. ليس هناك من يستطيع ان يتحداه.

النهج المؤسساتي الذي اعتمد في بدايات حكمه لتركيا، تم التخلي عنها و استعيض عنها بمكرمات الرئيس، و هذا ما يفسر الانتكاسات او الصعود و الهبوط في السياسة الخارجية التركية.

مجلة الشؤون الخارجية الامريكية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى