هل نجحت الدبلوماسيّة الإيرانيّة في توسيع الفَجوة بين الحليفين الأمريكيّ والأوروبيّ؟
حقّقت الدبلوماسيّة الإيرانيّة إنجازًا مُهِمًّا في اجتماع فيينا الذي انعقد يوم الجمعة لإنقاذ الاتّفاق النووي في حُضور مُمثّلين عن الدول الأوروبيّة المُوقّعة له، عندما أعلن المُمثّلون الأوربيّون عن اكتِمال آليّة “انتكَس” التي أُنشِئَت لتسهيل التّجارة مع إيران، والتِفاف على العُقوبات الأمريكيّة، وتعتمد عملات أوروبيّة ومحليّة لتجنّب استخدام الدّولار في التّعاملات التجاريّة معها، وبِما يؤدّي إلى عودة النّفط الإيراني إلى بعض زبائنه في عواصم أوروبيّة.
الإيرانيّون الذين أمهَلوا أوروبا مدّة شهرين لكسر العُقوبات الأمريكيّة وتعويض خسائر إيران من جرّاء فرضها، اعتَبروا على لسان عبّاس عراقجي، مساعد وزير الخارجيّة أن اكتمال هذه الآليّة خطوة جيّدة، تعكِس نوايا أوروبيّة واضحة بعدم الالتزام بالعُقوبات الأمريكيّة وخُروج إيران منه، ولكنّه أكّد أنّها ليست كافية وما زالت “نظريّة”، وقرار حُكومته بتخفيف الالتِزام بالاتّفاق النووي سيستمر حتى يتجاوب الأوروبيّون بشكلٍ كافٍ مع الشّروط الإيرانيّة.
ما تُريده إيران، حسب عراقجي، هو أن تستمر في تصدير نفطها إلى الأسواق العالميّة مثلما كان عليه الحال قبل تطبيق الجولة الثانية من العُقوبات الأمريكيّة في مطلع أيّار (مايو) الماضي، حيث انخفضت هذه الصّادرات من 2.5 مليون برميل يوميًّا إلى حواليّ 200 ألف برميل، ممّا يعني حرمان الخزينة الإيرانيّة حواليّ 40 مليار دولار سنويًّا من العوائد النفطيّة.
الجانب الأهم الذي يستحق التوقّف عنده هو “تمرّد” الصين على العُقوبات الأمريكيّة المفروضة على إيران، وتمثّل في إعلان حُكومتها من استمرار استيرادها للنّفط الإيراني مثلما كان عليه الحال في السّابق، أو أقل قليلًا، وأنّها لن تلتزم بتصفير صادرات النّفط الإيرانيّة مثلما تُصِر حُكومة دونالد ترامب.
التقارير الإخباريّة أكّدت أنّ ناقلة نفط صينيّة عبرت مضيق هرمز في طريقها إلى الصين قبل أربعة أيّام تقريبًا في تطبيقٍ عمليٍّ لهذا التّحدُي، ومن غير المُستبعد أن تُشجّع هذه الخطوة الصينيّة مُستوردين آخِرين للسّير على الدّرب نفسه.
الأمر المُؤكّد أنّ إدارة الرئيس ترامب لن تكون مُرتاحةً لهذين التحدّيين الصينيّ والأوروبيّ للعُقوبات المَفروضة على إيران، وينعكِس عدم الارتياح، وربّما الغضب، في استمرارها في إرسال الطائرات الحربيّة المُتطوّرة والسّفن الحربيّة إلى قواعِدها الجويّة في الخليج (قاعدة العديد في قطر)، والبحريّة في البحرين والإمارات والسعوديّة.
هل ستُؤدّي هذه الخطوات لكسر العُقوبات إلى زيادة احتِمالات المُواجهة العسكريّة بين إيران وأمريكا، أم إلى تخفيضها، وتخفيف حدّة التّصعيد الأمريكيّ خاصّةً بعد إسقاط إيران لطائرة تجسّس مُسيّرة اختَرقت أجواءها؟
من الصّعب الإجابة على هذا السّؤال، لكن ما يُمكن قوله أنّ الطّرفين الأمريكيّ والإيرانيّ لا يُريدان حربًا فِعلًا، ولكن كُل طرف يتمسّك بشُروطه، ويُطالب الآخر بتقديم تنازلات، فإيران مُتمسّكة بشرطها برفعٍ فوريٍّ للعُقوبات الأمريكيّة كاملة قبل الجُلوس على مائدة المُفاوضات، بينما تُعارض أمريكا هذه الشّروط، وتُريد تجميدًا مُؤقّتًا للعُقوبات أثناء المُفاوضات فقط.
الإنجاز الدبلوماسيّ الإيرانيّ في فيينا رغم أنّه غير كافٍ، إلا أنّه ربّما يقود إلى المزيد من التّصعيد الأمريكيّ، كردٍّ على “العُزلة” التي تعيشها إدارة ترامب في أوروبا، و”التمرّد” الصيني على العُقوبات.. واللُه أعلم.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية