هل هُناك عَلاقةٌ بين مُحاولتيّ اغتيال الرئيس الفَنزويلي مادورو واللِّواء السُّوري الخَبير في الأبحاثِ الكيماويّة؟

 

مُحاوَلتا اغتيال وَقَعتا أمس السبت واحِدةٌ في فنزويلا في أمريكا الجنوبيّة وفَشِلت في قَتل الرئيس نيكولاس مادورو، أثناءَ إلقائِه خِطابًا في إحدى المُناسبات العسكريّة، والثانية نَجحَت في قتل اللواء عزيز إسبر، مدير مركز البُحوث العلميّة السوري أثناء تفجير سيّارته بعُبوةٍ ناسِفَةٍ في مدينة مِصياف في ريف حماة.

ربّما لا تُوجَد علاقةٌ مُباشِرةٌ بين المُحاوَلتين، ولكن من المُؤكِّد أن الجِهَتين المُتورِّطتين فيهما، ورُغم تَباعُد المَسافات تتبعان مَعلمًا واحِدًا، بطَريقةٍ مُباشِرةٍ أو غير مُباشِرة، وهي الولايات المتحدة الأمريكيّة وحَليفَتها إسرائيل، رُغم النَّفي الصَّادِر عن مَسؤولَين فِيهِما.

إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم تُخْفِ مُطلَقًا عداءَها للرئيس مادورو وحُكومته، وسَلفِه هوغو تشافيز من قَبلِه، ليس لأنّهما يساريّان، وإنّما لعلاقاتِهِما، وبَلدهِما، الوَثيقة مع القضايا العادِلة في مِنطَقة الشرق الأوسط مِثل القضيّة الفلسطينيّة ووقوفِهما بقُوّةٍ في وَجه السِّياسات العُنصريّة الإسرائيليّة، والحِصار الخانِق الذي تَفرِضُه الوِلايات المتحدة على إيران.

مادورو فاز في الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة، رَغم الجُهود والحُشود الأمريكيّة الضَّخمة لإسقاطِه، ورغم الانقلابات العَسكريّة التي وَقفت خلفها واشنطن للإطاحةِ بِه، وأغلق سَفارة بِلاده في تل أبيب احتجاجًا على العُدوان الإسرائيليّ على قِطاع غزّة، وأقامَ علاقاتً وثيقةً مع إيران التي زارها مُعَلِّمه وقُدوَته الراحل هوغو شافيز؟

ولهذا من غير المُستَغرب أن تَقِف الأجهزة الأمنيّة الأمريكيّة خلف مُحاوَلة الاغتيال هذه، سَواء بِشَكلٍ مُباشرٍ أو عبر عُملائِها في كولومبيا المُجاوِرة، وعبر المُتطرِّفين اليمينيين في داخِل فنزويلا نفسها، وإلا من يَملُك طائِراتٍ مُسيّرةٍ (بُدون طيّار) ويُزوّدها بالمُتفَجِّرات ويُوجّهها إلى مكان إلقاء الرئيس الفنزويلي لخِطابِه؟

أمّا إذا انتقلنا إلى مُحاوَلة الاغتيال الثانية، التي استهدفَت اللواء عزيز إسبر فنحن لا نَستبعِد وقوف جِهات تتبع الولايات المتحدة وإسرائيل خَلفها، لأنّ مركز البُحوث العلميّة الذي يترأسه يَتبَع وزارة الدِّفاع السوريّة، وقَصَفته الطائرات الإسرائيليّة أكثر من مرّة، ووضعته السُّلطات الأمريكيّة على لائِحة عُقوباتِها لاتِّهامِه بإنتاج أسلحةٍ كيماويّةٍ وتَطوير غاز السَّارين تَحديدًا.

اغتيال اللواء إسبر يُذكِّرنا بعمليّات الاغتيال المُماثِلة التي نَفّذها جهاز المُوساد الإسرائيلي، للقادَة الفِلسطينيين مِثل الشُّهَداء وديع حداد وغسان كنفاني، وأبو علي إياد، وأبو يوسف النجار، وكمال نصار، وكمال عدوان، ويحيى عياش، والشيخ أحمد ياسين وياسر عرفات.. والقائِمة تَطول.

عُمَلاء إسرائيل وأمريكا يَنخرِطون هَذهِ الأيّام، في تنفيذ أعمال اغتيال تَستهدِف العُلماء الإيرانيين والعِراقيين معًا، في إطار خُطَّةٍ مُحكَمةٍ لمَنع أي دولة عربيّة أو إسلاميٍة من تَحقيق الرَّدع النووي مع دَولة الاحتلال الإسرائيلي.

إنّنا نَخشى في هَذهِ الصَّحيفة “رأي اليوم” من تَزايُد عمليّات الاغتيال هذه، في ظِل الحُكومتين العُنصريٍتين الحاليتين في واشنطن وتل أبيب، خاصَّةً بعد فشل المُخَطَّط الذي كان يَهدِف لتغيير النِّظام في سورية، وتَفتيت وِحدَتيها الوَطنيّة والتُّرابيّة، وصُمود الأنظمة اليساريّة الوطنيّة الرَّافِضة للهَيمنة الأمريكيّة في أمريكا الجنوبيّة.

تَراجُع الوِلايات المتحدة كدَولةٍ عُظمَى وحيدة مُسيطِرة على مُقدَّرات العالم، وصُعود روسيا والصِّين بِشَكلٍ مُتسارعٍ غيّر المُعادَلات الاستراتيجيّة، وباتَ يدفع في اتِّجاه إعادة صياغَةٍ جَذريّةٍ لمَوازين القِوى في سقف العالم سِياسيًّا واقتصاديًّا وعَسكريًّا، ممّا أدّى إلى حالةِ سُعارٍ في واشنطن وتَل أبيب في الوَقتِ الرَّاهِن، مُرشَّحة للتَّصاعُد في المُستَقبل المَنظور.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى