تعاملت حركة “حماس” بنوع من “الذكاء” في ردها على المقترح الجديد الذي قدمه الرئيس الأمريكي جو بايدن، حول إنهاء حرب غزة على ثلاثة مراحل، والذي يتماشى “نوعا ما” مع الشروط التي وضعتها الحركة على طاولة المفاوضات منذ اليوم الأول من بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
“حماس” لم تتعمق كثيرًا في تفاصيل المقترح الذي قدمه بايدن، وسمي فيما بعد بـ”خارطة طريق”. واكتفت بانها تنظر بـ”إيجابية” لهذه الخطوة. لكن الحركة اشترطت أن تطلع على المسودة الأصلية لخطة الرئيس الأمريكي، قبل الرد عليها بشكل حازم. خاصة أنه اكتفت فقط بالترحيب بإيجابية ما أعلنه بايدن.
هذا الموقف رأى فيه الكثير من المحللين والمراقبين، بانه محاولة حذرة لعدم الوقوع بـ”فخ بايدن”. نظرًا لأن الكثير مما يعلن عبر الإعلام مخالف تمامًا لما يجري في الغرف المغلقة. وكان رد “حماس” محاولة منها لإحراج الإدارة الأمريكية أمام العالم أجمع أولاً ورمي “الكرة الساخنة” بأكملها في حجر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.
خطة “حماس” حتى هذه اللحظة يبدو انها نجحت، فالكثير من دول العالم باتت تردد موقفها “الإيجابي” من “خارطة الطريق” الأمريكية، وبدأت محاولات الضغط تتجه نحو إسرائيل، ومطالبتها بالموافقة على مقترح التهدئة الجديد في قطاع غزة، في ظل صراع كبير يعيشه نتنياهو بعد تهديد أحزاب متطرفة داخل حكومته بالانسحاب من الائتلاف الحكومي حال تجاوب مع المقترح الأمريكي وعقد اتفاق هدنة مع “حماس”.
– ضربة “حماس”
ومؤشر آخر على نجاح ضربة “حماس” كان متمثلا بالصراع والخلافات المتصاعدة بين الإدارة الأمريكية و”تل أبيب”، خاصة بعد إعلان الأخيرة بطريقة “شبه رسمية” رفضها لمقترح التهدئة بغزة الذي قدمه بايدن، الأمر الذي يزيد من الأمور تعقيدًا وكأن “حماس” كشفت فصلاً جديدًا من هذا التوتر أمام العالم.
القيادي في حركة “حماس” أسامة حمدان، حاول توضيح ما يجري في الغرف المغلقة، فأكد أن حركته نظرت بإيجابية إلى الأفكار التي أعلن عنها بايدن بشأن وقف إطلاق النار في غزة.
وقال حمدان، في لقاء مع قناة الجزيرة، إن: “الأفكار لا تكفي ونحن بحاجة إلى اتفاق كامل لأن التفاصيل لدى الجانب الإسرائيلي لطالما كانت عنوان أزمة دائم، سواء في وقف إطلاق النار ورغبة الإسرائيلي ألّا يكون هذا دائمًا، أو في الانسحاب ومحاولة الإسرائيلي البقاء في مواقع محددة في قطاع غزة أو حتى في عملية التبادل”.
وأضاف. “ليس هناك مبادرة، الرئيس بايدن تحدث عن أفكار، والأفكار العامة لا تعني وصولًا لتفاهم. هي إطار عام، تفاصيل كثيرة، وجرى مناقشة الكثير من التفاصيل على مدى الشهور الأربعة الماضية”. موضحًا أن الجهد الذي بذله الوسطاء في مصر وقطر كان يهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار وإنهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وسحب القوات.
حماس : ضرورة وجود نصوص واضحة تحقق ما نريده وما قلناه، ويقبل بها الإسرائيلي علانية وصراحةً
وشدد القيادي في حماس على “ضرورة وجود نصوص واضحة تحقق ما نريده وما قلناه، ويقبل بها الإسرائيلي علانية وصراحةً وليس بطريقة المواربة، أو طريقة يمكن من خلالها أن يتملص من أي التزام”، لافتًا إلى أن “الحديث عن رغبة الوسطاء في الوصول إلى اتفاق حديث جيد ومقبول، وحماس لم تتردد وأخذت القرار عندما وافقت على الورقة التي قدمت من الوسطاء، والدور الآن على الوسطاء للضغط على الجانب الإسرائيلي ليقبل بذات الورقة التي أرى أنها حققت ما طرحه الرئيس بايدن من مبادئ”.
وذكر أن “المطلوب أن يعلن الجانب الإسرائيلي صراحةً وبوضوح التزامه بالوصول إلى اتفاق يحقق وقفًا شاملًا لإطلاق النار، وانسحابًا كاملًا من قطاع غزة، وإدخال الإغاثة بلا قيد أو شرط لإيواء وإغاثة النازحين، وإعمار غزة ورفع الحصار عنها وتحقيق صفقة تبادل عادلة للأسرى”.
كما أكد قيادي آخر في حركة “حماس”، وهو رئيس مكتب العلاقات الدولية في الحركة، موسى أبو مرزوق، عدم تسلّم حركته أي ورقة بشأن ما عرضه الرئيس بايدن، وقال ما أعلنه بايدن هو “مبادئ، رأتها حماس إيجابية”، إلا “أننا نحتاج إلى الاطلاع عليها كاملة”، مشدداً على “أنّنا لن نقبل أي تعديلات على الورقة القديمة تتعلق بوقف إطلاق النار والانسحاب من غزة”.
صحيفة “الغارديان”، فتحت ملف مبادرة بايدن الجديدة، ووصفتها بأنها “نبيذ القديم في زجاجة جديدة”. واعتبرت في تحليلها للمخطط بأنها تتشابه كثيرًا مع المبادرة الأخيرة التي قدمت للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. ولم يكن بها أي جديد غير بعض المصطلحات “القوية” التي يمكن أن تبني عليها لاتفاق رغم الكثير من علامات الاستفهام التي تحيط بهذه الخطة.
– قواعد اللعبة الجديدة
ونقلت القناة 12 العبرية عن مسؤول إسرائيلي رفيع قوله. “إن خطاب بايدن من شأنه تغيير قواعد اللعبة، بغض النظر عن رد حماس”. وأضاف المسؤول، “أن بايدن حرص على توضيح رسالة بأن إسرائيل إن رفضت المقترح فستتحمل العواقب”.
من جانبها. نقلت صحيفة التايمز البريطانية عن كبير مستشاري رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو قوله. “إن بايدن ألقى خطابا سياسيا لأسباب غير مفهومة”. مضيفًا : “لا نرفض الصفقة، لكن لا وقف دائما لإطلاق النار حتى نحقق كل أهدافنا”.
وفي وقت السابق من أمس السبت. زعم مصدر سياسي إسرائيلي، أن تل أبيب وافقت على صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس. تشمل الإفراج عن 33 محتجزا “حيا أو ميتا” بقطاع غزة خلال المرحلة الأولى من المقترح الإسرائيلي الذي أعلنه بايدن. رغم إعلان رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، تمسكه بشروطه لإنهاء الحرب في غزة.
صفقة تبادل أسرى
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، عن المصدر الذي لم تذكر اسمه، أن “تل أبيب وافقت على صفقة تتضمن بالمرحلة الأولى الإفراج عن 33 محتجزا حيا أو ميتا. فيما تتضمن المرحلة الثانية إنهاء الحرب”.
وبحسب المصدر. يتضمن المقترح الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي جو بايدن، في المرحلة الأولى، التي ستستمر 42 يوما، “إطلاق سراح محتجزين أحياء أو أمواتا. بمن فيهم جنود ونساء وبالغون”.
وقال المصدر: “سيتم إطلاق سراح المحتجزين على دفعات لـ6 أسابيع. وفي نهايتها تبدأ المفاوضات بين إسرائيل وحماس حول وقف دائم لإطلاق النار. أي نهاية الحرب، ومن ثم تبدأ المرحلة الثانية من الصفقة”.
وفي المرحلة الثانية، بحسب المصدر الإسرائيلي، “سيتم إطلاق سراح جميع الأسرى المحتجزين من جنود ورجال. لكن هذا لن يحدث إلا إذا كان هناك اتفاق على وقف الحرب بشكل كامل بين الطرفين”.
وأشار المصدر لهيئة البث، إلى أنه “في المرحلة الثالثة سيتم إطلاق سراح جميع جثث المحتجزين”.
ولفت المصدر إلى أن أحد الخلافات المهمة بين إسرائيل وحماس، والتي لم يتم حلها بعد. “مسألة هوية الأسرى الذين سيتم إطلاق سراحهم في المرحلة الأولى. وهو ما لم يقدم المقترح الإسرائيلي إجابة عنه في هذه المرحلة”.
وعلى عكس ما جاء في خطاب بايدن، قال مكتب نتنياهو. إن الأخير “يصر على عدم إنهاء الحرب على قطاع غزة إلا بعد تحقيق جميع أهدافها”
فيما قالت حركة حماس، إنها ستتعامل “بإيجابية مع أي مقترح يقوم على أساس وقف إطلاق النار الدائم، والانسحاب الكامل من قطاع غزة، وإعادة الإعمار، وعودة النازحين، وإنجاز صفقة تبادل جادة للأسرى”.
ويبقى هنا التساؤل..
لماذا قدم بايدن هذا المقترح الآن؟.. وهل وقعت “حماس” بالفخ؟ ومن سيكون الضامن لأي اتفاق؟
صحيفة رأي اليوم الألكترونية