هل يتحرّك الحُكماء لتطويق المُواجهة العسكريّة بين المغرب والبوليزاريو قبل تحوّلها إلى “حربِ استنزافٍ” مُكلِفَة للجانبين وتِكرار للسّيناريو اليمني؟ الجزائر تستنكر وموريتانيا تتحفظ.. ومن هي القِوى الخارجيّة التي تَصُبّ الزّيت على نارِ الأزَمة؟

 

بعد ثلاثة أسابيع من التوتّر المُتصاعد، وثلاثين عامًا من الهُدوء والالتزام بوقف إطلاق النّار، أعلنت وزارة الخارجيّة المغربيّة إطلاق عمليّة عسكريّة لفتح المعبر الحُدودي التجاري في مِنطقة الكركرات في المِنطقة العازلة على الحُدود مع موريتانيا، والمُتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليزاريو بيان الخارجيّة المغربيّة أكّد “أنّ هذه العمليّة العسكريّة تأتي بعد إقفال أعضاء في جبهة البوليزاريو الطّريق الذي تَمُر منه مِئات الشّاحنات يوميًّا تنقل البضائع المغربيّة نحو موريتانيا وبلدات إفريقيّة جنوب الصّحراء”.

جبهة البوليزاريو أصدرت بيانًا على لِسان وزير خارجيّتها محمد سالم ولد السالك قالت فيه “إنّ هذا التحرّك العسكري المغربي أنهى اتّفاق وقف إطلاق النّار بين الجانبين المعمول به مُنذ 30 عامًا، وأنّ الحرب بدأت لم تُشِر أيّ تقارير إخباريّة عن حُدوث خسائر بشريّة، أو صِدامات عسكريّة بين القوّات المغربيّة أو قوّات البوليزاريو التي كانت تُسيطِر على المعبر الحُدودي حتى كِتابة هذه السّطور، ويبدو أنّ الأخيرة تجنّبت الصّدام المُباشر وانسحبت، ولكنْ من الصّعب التكهّن بتطوّرات الأوضاع في هذه الجبهة التي جرى تسخينها في الأيّام وربّما السّاعات المُقبلة.

كان واضحًا مُنذ إعلان العاهل المغربي الملك محمد السادس في خِطابه الذي ألقاه الأسبوع الماضي “الرّفض القاطع لمُحاولة عرقلة السّير الطّبيعي بين المغرب وموريتانيا، أنّ قرار فتح المعبر الحُدودي بالوسائل العسكريّة قد جرى اتّخاذه وأنّ التّنفيذ بات وشيكًا”.

الحكومة الجزائريّة استنكرت الانتهاك الخطير وموريتانيا طالبت بضبط النفس في اول رد فعل من نوعه حول هذا التصعيد، وربّما يعود ذلك إلى “صدمتهما” أو “تفاجئهما”، باللّجوء إلى الخِيار العسكري، وإن كان بيانًا مغربيًّا أكّد أنّه جرى إبلاغ السّلطات الموريتانيّة بهذا التحرّك.

هُناك مخاوف إقليميّة ودوليّة أن تعود الصّدامات العسكريّة إلى الحال الذي كانت عليه قبل التوصّل إلى اتّفاق وقف إطلاق النّار بوِساطةٍ أُمميّةٍ عام 1991، وحُدوث خسائر بشريّة في حربِ الاستنزاف التي اندلعت بين الطّرفين المُتقاتلين، خاصّةً أنّ هُناك قِوى إقليميّة تَصُبّ الزّيت على نارِ الأزَمة من أجلِ تفجيرها عسكريًّا، وتِكرارًا للسّيناريو اليمني في هذهِ المِنطقة شديدة الحساسيّة.

نتمنّى في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” أن يتم التوصّل إلى حلٍّ سياسيٍّ سريعٍ لهذه الأزَمة، وإعادة العمل باتّفاقيّة وقف إطلاق النّار حقنًا للدّماء، وإبعاد شبَح الحرب التي ستُؤثِّر سلبًا على الجانبين، وأمن المِنطقة واستِقرارها، وربّما فتح الباب على مِصراعيه لتدخّل قِوى خارجيّة، إقليميّة ودوليّة، تُطيل أمَد الصّراع، وبِما يُؤدّي إلى وقوع خسائر بشريّة واقتصاديّة ضحمة في هذا الزّمن الصّعب.

نتحلّى بأعلى درجات الحذَر لأنّنا نُؤمِن بالحُلول السّلميّة للأزَمات عبر التّفاوض بين الأشقّاء، ولأنّنا نُدرك جيّدًا أنّ الحُروب تبدأ بشَرارةٍ صغيرةٍ تم تتوسّع دائرتها وخسائِرها، ونتضرّع إلى الله أن لا تنطبق هذه النظريّة على أزمة الكركرات الحاليّة، ونرى تَدخُّلًا لحُكماء في الجانبين والاتّحاد المغاربي لتطويق الأزَمة، وإعادة تفعيل اتّفاق وقف إطلاق النّار، والعودة إلى مائدة المُفاوضات للتوصّل إلى حلٍّ دائِمٍ يُرضِي جميع الأطراف ويَستنِد إلى قرارات الشرعيّة الدوليّة.

 

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى