هل يتعظ اللبنانيون من الأردنيين؟
الخضوع للبنك الدولي وصندوق النقد ووصاياهما السوداء، كان شره مستطيراً، إذ لم يتوقف الأمر عند تنفيذ هذه الوصايا، بل تم تسليم البلاد لرجال البنك الدولي.
إضافةً إلى التعبئة والميديا الصهيونية والأطلسية والرجعية ضد “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” والرئيس ميشال عون، تعتقد أوساط لبنانية أنَّ الحزب والتيار العوني هما سبب الأزمة اللبنانية، وتعتقد أوساط أخرى أنَّ ما يروجه ويقوله رجال البنك وصندوق النقد الدوليين عن الخصخصة وإعادة هيكلة الدولة والجيش سينقلهم إلى مجتمعات سعيدة، وتعتقد أوساط ثالثة أن ما يروجه دعاة اتفاق 17 أيار المقبور والتطبيع هو العصا السحرية التي ستحلّ مشاكلهم. لكل هؤلاء وغيرهم، نذكّرهم بما حصل معنا في الأردن.
الدرس الأردني
1- على الرغم من العلاقات التاريخية للأردن مع دول النفط، فإنَّه خسر تفضيلات سابقة في مجال الطاقة مع هذه الدول، على خلفية تباينات سياسية صغيرة معها، وظل يدفع ثمناً باهظاً للطاقة، متجاهلاً عرضاً إيرانياً بأسعار تفضيلية، فكانت النتيجة استنزاف فاتورة الطاقة لقسم كبير من الإيرادات.
وبوسع اللبنانيين أن يسألوا حلفاءهم من دول النفط: لماذا لم يسبقوا “حزب الله” أو يزايدوا عليه باستدراج قوافل من النفط العربي؟ ولماذا لم تبادر أية دولة نفطية عربية إلى إرسال باخرة واحدة لمساعدة الشّعب اللبنانيّ؟
2- بعد معركة الكرامة 1968 التي خاضها الجيش الأردني والمقاومة الفلسطينية والشعب جنباً إلى جنب، كما ثلاثية الجيش والمقاومة والشعب في لبنان، التي تعمَّقت بهزيمة العدو الصهيوني في تموز/يوليو 2006، قرّر العدو تدفيع الأردن والمقاومة ثمن ذلك، عبر استدراجهما إلى معركة داخلية (أيلول/سبتمبر 1970) مضى عليها نصف قرن تقريباً، لكنَّ مشاكل الأردن السياسية والاقتصادية لم تحلّ بعد خروج المقاومة.
وعندما وقع الأردن معاهدة وادي عربة في العام 1994، كما اللبنانيون في 17 أيار/مايو، للدخول في زمن اللبن والعسل، اتسعت دوائر الفقر والبطالة والفساد، وصار ملحوظاً لأول مرة في الأردن رؤية بعض الفقراء حول حاويات النفايات.
أما الخطر الصهيوني على الأردن، فصار أوسع وأعقد مع ارتفاع عدد المستوطنين في الضفة من 200 ألف إلى حوالى 800 ألف مستوطن، ومع زيادة وقاحة المسؤولين الصهاينة حول الأردن كوطن بديل.
3- أما الخضوع للبنك وصندوق النقد الدوليين ووصاياهما السوداء، فكان شره مستطيراً، إذ لم يتوقف الأمر عند تنفيذ هذه الوصايا، بل تم تسليم البلاد لرجال البنك الدولي، وكانت النتيجة تفكيك الدولة باسم إصلاحها، وتفسّخ الطبقة الوسطى، وانهيار القيمة الشرائية، واتساع البطالة، وتردّي الخدمات الأساسية بعد رفع الدولة يدها عنها، وخصوصاً في قطاعات الصحة والتعليم.
وبعد، من المؤكّد أنَّ استهداف لبنان وسيناريو تحويله إلى دولة فاشلة هو عمل مبرمج من حيث أهدافه التي تفضحها أدواته من جماعات الثورة الملونة ومعهد كارنيغي و”الأتوبور” والبنك الدولي، والفضائيات التي تذرف الدموع على الديمقراطية والفساد، فيما تدار من محميات فاسدة لم تسمع بعد بالأحزاب ولا بالدساتير ولا بالنقابات ولا بالبرلمان.
أما بنك الأهداف، فهو أوضح من عين الشمس، وهو تصفية الخط الوطني، أياً كانت تعبيراته (خطاب المقاومة اليوم، وقبله عبد الناصر)، ولم يكن حالة إيرانية أو شيعية بأي معنى. وقد كان هدفاً للقوى ذاتها من الإمبرياليين والصهاينة والرجعيين ومنابرهما الإعلامية والسياسية.
ولنا أن نضيف هنا ما يتعلّق بـ”التيار الوطني الحر” والجنرال عون تحديداً، الذي يعاقب على ما يعتبره الصهاينة أكبر اختراق لمخططاتهم الاستراتيجية (بعد أن اعتقدوا أن المارونية السياسية والصهيونية وجهان لعملة واحدة)، وأنهم طووا صفحات ميشال شيحا (منظّر الكيانية اللبنانية) الذي اعتبر “إسرائيل” الخطر الداهم على الوجود اللبناني.
إلى ذلك، ثمة ملاحظات برسم القوى الوطنية اللبنانية بكلِّ تياراتها، منها:
1- بناء جبهة وطنية من كلِّ القوى الراديكالية.
2- مراجعة اتفاق “الطائف”، ليس بمنطق ما قبله، بل بمنطق ما بعده من خيارات ديمقراطية مدنية حقيقية عابرة للطوائف ومشتبكة في الوقت نفسه مع الخطر الصهيوني.
3- العمل على فصل الشارع عن الجماعات الوافدة الجديدة ومحاولاتها حشد نفسها في ائتلافات مزايدة في الملفات الديمقراطية، ويمكن تقسيمها إلى قسمين:
الأول: مجاميع من الثورات الملونة يعود رعاتهم في غالبيتهم إلى أوساط يهودية (سوروس، لويس، ليفي، أكرمان، ساتلوف) أو إلى حالات مثل “كانفاس” و”الأتوبور”، التي نصبت قبضة الثورة المضادة في قلب بيروت، وهي الجماعات التي تحدث عنها وفضحها أستاذ الأنثروبولوجيا البريطاني، ديفيد غريبر، في كتابه “مشروع الديمقراطية”، كما وردت في كتاب سوندرز “من يدفع للزمار؟”.
الثاني: يساريون سابقون، قلبوا كوفياتهم الحمراء، وانتقلوا إلى صفوف الجماعات الملونة والأب الليبرالي الجديد.