هل يتكرر السيناريو الأميركي للعراق في سوريا؟

” لا إرادة دولية متوفرة بعد” لتحالف دولي ضد الإرهاب. بكلمات لا تخلو من خيبة، يصف مصدر سوري رفيع المستوى اللحظة الديبلوماسية الراهنة.

قرار مجلس الأمن الدولي وقبله الرئيس الأميركي باراك أوباما بالتدخل جوياً في العراق ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» لم يتمدد إلى سوريا، رغم إعلان الرجل صراحة أن واشنطن لديها «مصلحة استراتيجية في صدّ داعش» وأنها «لن تسمح بقيام دولة خلافة إسلامية في أي من البلدين».

الأوروبيون بدورهم لم ينقلوا عدوى حماستهم الظاهرة لتسليح الأكراد في شمال العراق، و«التدخل» بطرق شتى لإنقاذه من خطر «الإبادة»، إلى مواجهة «داعش» في سوريا، وذلك بالرغم من إشارة قرار مجلس الأمن صراحة إلى سوريا.

ماذا عن الفوضى، وتكاثر أذرع التنظيم وأدواته في كامل الإقليم، وتمدّد سيطرته في مناطق سوريا والعراق؟ ليس من جواب شافٍ بعد في دمشق. الخلل الظاهر في تعاطي الغرب، وبعض العرب مع خطر «داعش»، يثير الريبة، بالرغم من الإجماع المعلن بأن الأزمة السورية تتحمل قسماً كبيراً من حالة الرعب المخيمة على المنطقة.

تدخل الرياض بمليار دولار لـ«حماية» لبنان من خطر التكفيريين، ولأسباب أخرى مرتبطة بسياسة السعودية في المنطقة من جهة، وتدخل الولايات المتحدة جوياً ضد مقار التنظيم، والتعاون العسكري الأوروبي مع شمال العراق، قد يحاصر «داعش» إلى حد ما في الجوار، لكنه يرسل قواته في الوقت ذاته باتجاه سوريا، وهو أمر يرفع علامات استفهام كثيرة، من بينها التساؤل الذي غاب منذ نصف عام، عن مخاطر التقسيم، وعما إذا كانت خيالات قادة الغرب وبعض دول المشرق بدأت تجده مخرجاً من الأزمات الحالية.

وثمة مَن قرأ حوار أوباما، منذ أسبوع مع الصحافي توماس فريدمان ضمن هذا الإطار، حين شدد الرئيس الأميركي، مبرراً التدخل مجدداً في العراق، بالبعد «الأخلاقي» المرتبط بحماية الأقليات من الإبادة، مستثنياً سوريا من نظرته لخطر التكفيريين.

ربط أوباما في حواره خيوط الخطر في البلدين بعقدة واحدة، هي «حاجة الطائفة السنية (في سوريا كغالبية والعراق كأقلية) إلى خطة تلبي تطلعاتها»، مقترحاً معالجة القضية من هذه الزاوية، بما يعنيه ذلك من إشراك كل العناصر الإقليمية والمحلية في هذه المعالجة، لكن من دون رسم مسار محدد لها. ووفقاً لهذه القراءة فإن الغرب، وفي مقدمته أميركا، ربما رسم خطوطاً حمراء لتحرك التنظيم، تتلخّص بثلاثة: الأول، هو منع التنظيم من القيام بعمل وحشي فائق التصور، كتفجير سد نهري مثلاً، كما كان يُخشى بشأن سد الموصل. والثاني هو منعه من استهداف التجمعات الديموغرافية الصغيرة، إلى حد ما، أي «منع الإبادات الفاضحة»، وذلك في إطار قراءة خريطة الجغرافية السياسية الناجمة عنها، كما في العراق.

وفي هذا الإطار تتخوّف دمشق، رغم سياسة واشنطن المعلنة اتجاه رفض تقسيم العراق، من وجود اتفاق ضمني بين الغرب وإسرائيل، وبعض دول الخليج يمهد لنشوء كيان جديد ومستقل في المنطقة مركزه أربيل، يتحول تدريجياً إلى دولة كردستان. وتتعدى القراءة هذه الولايات المتحدة التي تعتبر كردستان «مثالاً للتعايش والازدهار»، والغرب «الذي يقوي منظومة الإقليم العسكرية» وصولاً إلى دول الخليج، التي لا تستثمر في الإقليم فحسب، بل تجعل من كردستان «قضية» في سياستها الإعلامية. ومنذ عامين، كان واضحاً للعيان «التفضيل السعودي» لتعويم فكرة «كردستان المزدهر»، بما يتعدّى الترويج للإقليم «الهانئ المطمئن على ضفة العراق المضطرب»، وصولاً إلى التهليل للقومية الكردية، حتى في برامج المسابقات الترفيهية التي كانت تتقدم بها القنوات السعودية الخاصة.

أما البند الثالث، فيتمثل بحماية أكبر كمية ممكنة من آبار النفط، ولا سيما في العراق، رغم أن هذه القاعدة لم تنطبق على سوريا بأي شكل من الأشكال. كما من غير المستبعَد أن يمنع الغرب «داعش» من التمدد باتجاه البحر، في شتى دول نفوذه.

من جهة أخرى وللمفارقة، يفصل «خيط رفيع» بين رغبات دمشق وأمنيات خصومها. فمن جهة طلب «الائتلاف الوطني» المعارض رسمياً من الولايات المتحدة ومجلس الأمن (للمرة ألف ربما) التدخل عسكرياً في سوريا، وإن كان عنوان أهدافه مقار «داعش» وقواته، وذلك لغرض إزاحة هذا الخصم القوي من وجه فصائل المعارضة المختلفة، والتي تتصدّرها المجموعات الإسلامية، وأبرزها «جبهة النصرة».

من جهتها تحتاج الدولة السورية إلى مساعدة في وجه تنامي قوة التنظيم، كما في وجه التكفيريين. ولا ترغب دمشق، في العلن على الأقل، في حملة جوية أميركية على مقار «داعش – سوريا»، الأمر الذي يشكل «تعدياً على السيادة» باللغة الديبلوماسية (نفت أمس معلومات صحافية عن غارات أميركية على الرقة)، بل تتمثل أهدافها في تشكيل «تعاون دولي» يمثل حجر أساس في حملة على مستوى أوسع لمكافحة الإرهاب، تشكل لاحقاً بوابة دمشق المثلى للعودة إلى الملعب الديبلوماسي.

لكن ما من بوادر أو مؤشرات ملموسة جدياً بعد في هذا الاتجاه. وثمة تخوّف في مكانه، من الانتظار طويلاً، قبل الشروع بتنفيذ سياسة إقليمية ودولية موحدة ضد التنظيم. خصوصاً أن دولاً كثيرة تريد استثمار الخلل المتنامي في موازين القوى والكوارث الديموغرافية التي تحدث، لتشكيل بنية جديدة في المنطقة.

ويعكس كلام أوباما الأخير، الصورة التي يمكن أن تصل إليها سوريا، في الحسابات الأميركية، حين أكد أن الولايات المتحدة لم تتدخل فوراً لمواجهة خطر التكفيريين في العراق كي «لا تمنح (رئيس الوزراء العراقي المستقيل نوري) المالكي فرصة للتحرر من الضغط» العسكري لـ«داعش».
تفضل واشنطن وفق هذا السياق، أن يكون أيّ تدخل لحصر مخاطر التوسع التكفيري في المنطقة، بأثمان سياسية مشابهة لما جرى مع بغداد، وهي أثمان لا تتوفر إمكانية دفعها في دمشق، كما لا تتوفر ظروفها، ما يعني توقف المشهد الميداني على عناصره الحالية، وذلك إلا في حال تمكّن «داعش» من تنفيذ تهديداته في أوروبا والولايات المتحدة، وفقاً لما حذر منه رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون مؤخراً، الأمر الذي قد يعيد ترتيب الأولويات بشكل مختلف، أو في حال تمكّن الجيش السوري من تحقيق إنجاز نوعي يتمثل في قتل «الخليفة» أبو بكر البغدادي على سبيل المثال، أو إيلام قواته بشكل يضع سوريا في واجهة «الحرب على الإرهاب الدولي».

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى