هل يستعيد أردوغان وهج النجم؟ (ديفيد جاردنر)

 
ديفيد جاردنر


توافُق الآراء أمر نادر الحدوث في مجتمع مستقطب بشكل متزايد في تركيا. حتى الآن، على مدى العامين الماضيين أو نحو ذلك، هناك قناعة انتشرت بين مختلف ألوان الطيف السياسي، على حد تعبير أستاذ بارز في العلوم السياسية، مفادها أنه: ''لا توجد ضوابط وتوازنات في السياسة التركية''.
في افتتاح البرلمان في الأسبوع الماضي، أكد الرئيس التركي عبد الله غول، أن: ''فصل السلطات وحرية الصحافة، والمعارضة الفعالة هي كذلك من بين عناصر الديمقراطية التي لا غنى عنها''.
يعتبر هذا ملاحظة تدور بشكل أساسي حول رجل واحد: رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء الذي فاز في ثلاثة انتخابات متتالية وحصل على حصة متزايدة من الأصوات – آخر انتخابات فاز بها كانت عام 2011، كانت أقرب إلى الطوفان الهائل منها إلى الفوز الساحق.
خلال أكثر من عشر سنوات في السلطة، كان أردوغان يبدو وكأنه مذنب يندفع عبر سماء سياسية من النجوم المغطاة من أوروبا إلى الشرق الأوسط، وهما الميدانان الجيوسياسيان اللذان تجلس بينهما تركيا، كما لو كانت الغرب للشرق والشرق للغرب. بدا وكأن حزبه العدالة والتنمية من الإسلاميين الجدد يتطلع ليكون تركيبة على غرار الديمقراطية المسيحية ''في ألمانيا''، على نحو يسعى منذ وقت طويل للجمع بين الإسلام الحديث والديمقراطية. ربما يكون من الممكن القيام بذلك، ولكن أردوغان العظيم قد يتحول إلى أن يكون نجماً ثاقباً.
مع ذلك فإن أردوغان، وليس غول، هو الذي كان في مركز الصدارة في الأسبوع الماضي، حيث كشف النقاب عن حزمة من الإصلاحات التي وصفها بـ ''التاريخية'' وحكم عليها عدد كبير من رجال حاشيته في وسائل الإعلام بأنها ''ثورية''.
منذ الاحتجاجات التي هزّت الأمة هذا الصيف ضدّ أسلوبه السلطوي الذي يتدخّل في أشياء كثيرة، كان يبدو على أردوغان كثيراً أنه مصاب بالخوف المرضي والتقوقع على الذات، ويكتشف شبكة من التآمر في الداخل والخارج لإسقاطه بالوسائل غير البرلمانية.
لكن رغم أنه أصبح مزاجياً ومتقلباً، إلا أنه لا يزال شخصية شامخة في تركيا الحديثة. ثم إن حزمة ''الديمقراطية'' التي طرحها الأسبوع الماضي ليست خالية من المزايا. الإصلاحات تستحق الهتافات بشكل مؤكد. صحيح، لم يكن هناك تشاور، إلا أن أردوغان لم يأخذ أي أسئلة حول الموضوع، وخوفاً من المعارضة، تم استبعاد الصفوف المتناقصة بسرعة، من وسائل الإعلام الناقدة من مؤتمره الصحافي.
لكن حزب العدالة والتنمية ذهب أبعد من أي حكومة سابقة في محاولة استيعاب الأقلية الكردية في تركيا. لقد خفّض نسبة الـ 10 في المائة أي عتبة التصويت المطلوبة لدخول البرلمان (لا يمكن للأكراد تجاوزها على الصعيد الوطني). وسيسمح بتدريس المقررات باللغة الكردية (وليس فقط تدريس اللغة الكردية)، ولو كان ذلك في المدارس الخاصة، فحسب. مع ذلك ما زال هناك غياب لتدابير أوسع نطاقاً لإنهاء التمرد الكردي منذ 30 عاماً في جنوب شرق تركيا، مثل نقل السلطة وتغيير قوانين مكافحة الإرهاب التي تجرم الرأي.
الحزمة لا تملك في جعبتها أي شيء تقريباً للأقلية من العلويين الساخطين على نحو متزايد. ولكن للأتقياء من أتباع حزب العدالة والتنمية من الأغلبية السنية، تم رفع معظم الحظر المفروض على ارتداء الحجاب للنساء في المناصب العامة. إن استبعاد شابة من جامعة حكومية لمجرد أنها تغطي رأسها، هو ببساطة نوع من الظلم. ومع ذلك، فإن الحجاب يعتبر مسألة زر أحمر، لأن العلمانيين يخشون من سيطرة حزب العدالة والتنمية على مدارس الدولة، تماماً مثلما حاول أردوغان أن يسيطر على جميع المؤسسات في تركيا – وأن يفرض على الأشخاص المتنوعين فيها الكيفية التي ينبغي فيها تناول الطعام والشراب والإنجاب والدراسة.
بعد حملة القمع في حزيران (يونيو) الماضي في انفجار الغضب ضد حكومته، ربما يكون قد فات الأوان على رئيس الوزراء لاستعادة مؤهلاته الإصلاحية.
الفترة الثالثة من ولاية أردوغان جعلت تركيا أقل قابلية للتنبؤ. تطارد الحكومة مَن تتصوّر أنهم من المعارضين في شركات العائلات القديمة، إلى درجة تربك فيها البرجوازية الأناضولية الجديدة التي ساعدها حزب العدالة والتنمية على النهوض.
ودعا أحد كبار المساعدين السياسيين إلى وقف التعامل مع الاتحاد الأوروبي الذي يعد السوق الرئيسة في تركيا. ويريد أردوغان أن يشتري مجموعة الدفاع الصاروخي الصينية، التي تتعارض مع أنظمة شركاء تركيا في ''النيتو''، الذين لا يصدقون ما يسمعون.
المكالمات الهاتفية مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما باتت نادرة الآن؛ وبدلاً من أن يبسط البيت الأبيض السجاد الأحمر للترحيب بالزيارات، يقوم بإصدار البطاقات الحمراء – ليس فقط حول الديمقراطية، ولكن من جرّاء تحالف المصلحة بين أنقرة والجهاديين في الحرب الأهلية المجاورة في سوريا.
المعارضة الضعيفة في تركيا، التي تعد الوريثة المتبقية من جمهورية مصطفى كمال أتاتورك العلمانية، غير قادرة على ضبط عناد رئيس الوزراء. لكن الانتفاضة المدنية للأتراك المتنوعين والحضريين هذا الصيف، تعد علامة على ظهور المواطن التركي الجديد، الذي لم يهرب من جمهورية أتاتورك التنظيمية الصارمة، لاعتناق السلطنة الأبوية في ظل أردوغان.
ومع ذلك، فإن البديل الأكثر قدرة على البقاء لقيادة تركيا إلى ديمقراطية مستقرة يبدو أنه غول، وهو النقيض الناعم لرئيس الوزراء، والذي شارك معه في تأسيس حزب العدالة والتنمية.
قال أردوغان إنه لا يزال يريد الرئاسة، ولكنه يبدو متردداً في أن يرى غول – الذي تنتهي فترته الصيف المقبل – في منصب رئيس وزراء الأكثر قوة، حيث يمكن أن يصبح منافساً.
الشخص الذي يراقب من كثب هذين الرجلين يصف أردوغان، الذي نشأ في حي فقير في إسطنبول، كمقاتل في الشوارع، ويصف غول المتعلم بالجامعات الأجنبية، بالعنكبوت، ''في انتظار أن يقع أردوغان في شباكه''. في أحدث شكل، يمكن أن يتحول أردوغان أيضاً إلى أن يكون شمشون الجبار، مسقطاً بذلك معبد حزب العدالة والتنمية على رؤوسهما الاثنين – وعلى تركيا.

صحيفة فاينانشال تايمز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى