هل يسعى الإتحاد الأوروبي للتحرر من التبعية لواشنطن؟

بينما تعبّر قوى حيوية في المجتمعات الأوروبية عن رفضها لسياسات دونالد ترامب التي تهدّد الاستقرار العالمي وأوروبا، يتعهّد زعماء الإتحاد الأوروبي بحماية مصالح الشركات الأوروبية المعرَّضة لعقوبات أميركية إثر انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران. لكن ما تواجهه أوروبا يتجاوز رؤية الإتحاد في أرباح بعض الشركات. فهي تجد نفسها في نهاية خط الانحدار أمام الرضوخ لأوامر ترامب أو التمرّد ضد السيطرة الأميركية.

في قمة الإتحاد الأوروبي ودول غرب البلقان في صوفيا، يحاول زعماء الإتحاد طمأنة دول البلقان إلى اعتمادهم على شريك قوي وطمأنة الأوروبيين القلقين من الإذلال الأميركي، إلى أن الاتحاد يملك القدرة على اتخاذ القرار في حماية المصالح الأوروبية من العقوبات الأميركية.

وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير ينتفض على ما سماه شرطي العالم الاقتصادي، في التنديد بما هو غير مقبول بحسب تعبيره. وفي السياق يتعهّد رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر بأن المفوضية ستتخذ خطوات حازمة لحماية مصالح الاتحاد الأوروبي وفق تصريحه.

ولعل رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك المشبع بإعجاب رونالد ريغان ومارغريت تاتشر خلال نشاطه مع زعماء الثورة الملوّنة في بولندا، يضطر إلى التعبير عن عمق أزمة الاتحاد الاوروبي في العلاقة مع الادارة الاميركية. فهو الذي وصل إلى منصبه في رئاسة المجلس متبنياً التبشير بفضائل تعميم خير البشرية عبر السوق والتجارة، يصدمه دونالد ترامب الذي يصفه بالقول “إذا كان لدينا هكذا أصدقاء فما حاجتنا للأعداء؟”. لكن على الرغم من إحساسه العميق بالتهديد الأميركي الذي يحدو به للدعوة “إلى أن نكون مستعدين للتصرف بمفردنا”، يؤكد على حماية الرابط بين ضفتي الأطلسي بين الاتحاد الأوروبي والإدارة الاميركية ومن شاب على شيء شاب عليه.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو الأكثر قدرة على إخماد نيران القلق بالركون إلى وصفات سحرية خرافية. فهو تعهّد في الانتخابات الرئاسية الفرنسية تطوير وإصلاح الإتحاد الأوروبي مع انجيلا ميركيل لاستعادة الثقة بالاتحاد وطمأنة الأوروبيين إلى أن التهميش الاجتماعي والسياسي الذي فرضه عليهم الاتحاد بحسب النموذج الأميركي كان خللاً عابراً. لكنه خلال سنة من الحكم نفّذ ما همّشته قرارات الاتحاد الأوروبي في المجتمعات الأوروبية طوال ثلاثة عقود.

في إطار أساطير معجزات كوكب المشتري كما يلقّبه الإعلام الفرنسي، يصرّح ماكرون بأن قمة الاتحاد في العاصمة البلغارية قررت دعم الاتفاق النووي مع طهران “بهدف حماية الشركات الأوروبية العاملة في طهران”. فهو يراهن على القيام بمعجزة خيالية في توسيع الاتفاق النووي مع إيران وإقناع ترامب بذلك، بحسب تعبيره. ولا تبدو هذه المراهنة قابلة للبحث مع إيران التي تمهل الاتحاد الأوروبي ستين يوماً لاتخاذ قرار بالضمانات المطلوبة ولا تبدو أيضاً قابلة لاقناع ترامب بذلك.

حاول ماكرون إقناع ترامب أثناء زيارته لواشنطن بما سماه خطة العمل الشامل. وذلك في التفاوض على استمرار وقف التخصيب بعد العام 2025 وعلى القدرة البالستية وعلى السياسة الخاجية. لكن ترامب لم يعر ماكرون أذناً ولا اهتم في الإجابة على تصوراته. وفي المقابل حاول الاتحاد الاوروبي البحث في بروكسيل مع وزير الخارجية الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بما يتعدّى الضمانات الأوروبية.

لكن إيران تنتظر أجوبة محددة على التزام أوروبا بشروط الاتفاق بمنأى عن الإدارة الأميركية وهو ما لم يقدمه الاتحاد الأوروبي من الضمانات العملية سوى الإعلان عن الالتزام.

يأمل الاتحاد الأوروبي أن يسمح له ترامب ببعض الإعفاءات للمحافظة على مصالح الشركات الأوروبية، ولا يتجرأ بخوض مغامرة الخروج عن طوع ترامب في تقديم ضمانات لإيران تتحدى الأوامر الأميركية. فالاتحاد يخشى رد الفعل الأميركي تجاه عجز الميزان التجاري لمصلحة دول الاتحاد بمقدار 566 مليار دولار. لكن ترامب يهدّد الاتحاد الأوروبي باستمرار بأن يتحوّل العجز إلى حرب تجارية مع أوروبا، كما صرّح على هامش منتدى دافوس الاقتصادي. ولم يقبل باعفاء الصلب والألمنيوم من الرسوم العقابية، مقابل زيادة استيراد الغاز الاميركي المسال المرتفع الثمن بحسب اقتراح المفوضية الأوروبية.

الإتحاد الأوروبي تهدّده أزمة التبعية للولايات المتحدة في السياسات الخارجية والدفاعية والنموذج الاقتصادي. وهو قادر على التصرّف للتحرر من التبعية كما صرحّ دونالد توسك “بمزيد من الوحدة السياسية والتصميم” وهو ما تفتقده أوروبا في بناء الاتحاد الاوروبي الذي يقتصر على السوق التجارية والعملة الموحّدة. والدليل على ذلك أن ترامب يهدّد الصين بذريعة خسارة الميزان التجاري الأميركي مع بكين بما يعادل العجز التجاري الأميركي مع دول الاتحاد. لكن الشركة الوطنية الصينية للنفط تعلن أنها ستحل محل شركة توتال الفرنسية في حقل فارس إذا انسحبت من إيران.

الميادين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى