هل يعترف العرب بالقدس عاصمة لإسرائيل؟
كانت بولندا دائما حليفا مخلصا للأنغلوساكسون، لكنه حليف محدود الذكاء. فكما هو معلوم، كان ستالين قد عرض على بولندا قبل الحرب العالمية الثانية إنشاء حلف عسكري والدفاع عنها، لكن بولندا رفضت، وفضّلت أن تصدّق وعود انجلترا بالدفاع عنها، أما إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية فقد حرّضت هتلر للمضي نحو الشرق، لتجد بولندا نفسها ضحية لذلك. كان ستالين يدرك أن احتلال هتلر لبولندا هو مسألة وقت لا أكثر، وخطوة على طريق حرب ألمانيا ضد الاتحاد السوفيتي، لذلك قرر إستعادة الأراضي الروسية التي استولت عليها بولندا أثناء الحرب الأهلية في روسيا أعوام 1918-1922، حتى لا يستخدمها هتلر في الهجوم على الاتحاد السوفيتي، وهو ما سمي فيما بعد بميثاق مولوتوف – ريبنتروب.
وعقب انهيار الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو، عادت بولندا إلى المعسكر الغربي، حيث حاولت أن تلعب دور “إنجلترا الصغرى” بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية (أن تمثل ثقلا سياسيا موازنا لتأثير ألمانيا وفرنسا على أوروبا الشرقية، كما توازن انجلترا تأثيرهما على أوروبا)، وقد نجحت في ذلك، حتى أننا نذكر تعبير بوش الابن آنذاك في وصفه لبولندا وسائر الحلفاء الصغار من أوروبا الشرقية بـ “أوروبا الجديدة” مقابل “أوروبا القديمة” (فرنسا وألمانيا اللتان وقفتا ضد التدخل الأمريكي في العراق عام 2003).
لكن ذلك الإخلاص البولندي كان إخلاصا من طرف واحد، لم تبادله الولايات المتحدة إخلاصا ولا تقديرا، فبعد كافة التنازلات والتعويضات الممكنة التي تلقتها المنظمات اليهودية من ألمانيا في قضية الهولوكوست، التفتت تلك المنظمات مؤخرا إلى بولندا.
وأقرّت الولايات المتحدة منذ أسبوعين قانونا برقم 447 يجبر بولندا على دفع تعويضات لليهود مقابل ممتلكاتهم التي كانت موجودة في بولندا أثناء الهولوكوست، فإذا كانت الممتلكات لمتوفّين، فيتعيّن على بولندا تسديد التعويضات للمنظمات اليهودية. يدور الحديث هنا عن عشرات (وربما مئات) المليارات من الدولارات.
وبما أن الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن أن تضنّ على اللوبي الإسرائيلي بأي مطلب يسعى إليه، فما كان على اللوبي سوى الإشارة، لتلبي الولايات المتحدة مطلبه على الفور وتضحي دون تردد بأغلى حلفائها في أوروبا الشرقية، وقاعدتها الأمامية في عدوانها على روسيا – بولندا. وقعت الكارثة بالنسبة للبولنديين، بل لم يتمكنوا من فهم تلك الخطوة.. كيف حدث ذلك؟ ألم يخلصوا لأمريكا قدر استطاعتهم..
لم يكن من قبيل الصدفة أن يصرّح مؤخرا رئيس المجلس الأوروبي، السياسي البولندي دونالد توسك بأنه لا حاجة لأعداء بصحبة حلفاء مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
يمكننا أن نتوقع ألّا تكون تلك هي الواقعة الأخيرة من مسلسل خيانة الولايات المتحدة الأمريكية لحلفائها، أو مسلسل ضغط اللوبي اليهودي على دول أخرى للدفع للمنظمات اليهودية بمساعدة أمريكا، فالولايات المتحدة الآن في قمة قوتها، في لحظة ما قبل السقوط من تلك القمة، وقد قرر اللوبي الإسرائيلي (الذي يتحكم فعليا في أمريكا) أن يترجم كل تأثيره وسلطته على الولايات المتحدة الأمريكية إلى سيولة نقدية. لأن اللحظة الراهنة قد تكون الفرصة الأفضل وربما الأخيرة، وليست بولندا سوى قطعة الدومينو الأولى، حيث يتعين على الخارجية الأمريكية، وفقا للقانون رقم 447، أن تعدّ قائمة بالدول التي تضم ممتلكات يهودية في ظرف 18 شهرا.
أعتقد أن هناك احتمالا لأن تكون هناك دول عربية من بين الضحايا القادمة للوبي الإسرائيلي، الذي يمكن أن يطالب بعشرات المليارات من الدولارات تعويضا عن أملاك اليهود الذين هاجروا من الدول العربية إلى إسرائيل عقب إعلانها، وسوف تضطر معظم الحكومات العربية حينئذ للدفع، فهي لا تستطيع رفض طلب للولايات المتحدة الأمريكية. لكن بإمكان أمريكا أن تخفف من حدة التعويضات، وأن تعرض على الدول العربية طرقا للتحايل عليها.. لن يكون التطبيع حينئذ كافيا، فالكثير من الدول العربية قد طبّعت علاقاتها بالفعل مع إسرائيل، لكن من الممكن أن يكون تخفيف حدة التعويضات مثلا من خلال افتتاح سفارة في القدس كعاصمة لإسرائيل…
على أية حال، يتعيّن على العرب أن يستعدوا كي يكونوا الضحية القادمة للوبي الإسرائيلي، وأعتقد أن قضية وأسلوب الضغط سوف يكونان على هذا النحو تحديدا.. إما نقل سفارة إلى القدس أو تعويضات بمليارات الدولارات، فسوف تكون مع الوقت قضية الساعة أمام جميع حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، التي ستستخدم أقصى وسائل الضغط لتحقيق هدفها، ولن يكون بوسع الحكومات العربية من حلفاء واشنطن تجنب هذا، باستثناء دولة أو دولتين مما لا تدور في فلك واشنطن…
روسيا اليوم