هل يقود الانسجام الثلاثي إلى تسوية في سوريا؟
قادت التسوية التي سمحت بخروج آلاف المُسلّحين من شرق حلب، برفقة عشرات الآلاف من المدنيين، إلى تحقيق تقارب مبدئي بين الأطراف الأكثر تأثيراً في الحرب السورية، على المستويين الإقليمي والدولي.
وعلى الرغم من أن حظوظ التسوية تكبر في حال تمكّنت العواصم موسكو وطهران وأنقرة، من الاتفاق على مسار الخروج من الأزمة، إلا أن عوامل التخريب والتعقيد لم تتقلّص، وظلّت بكل الأحوال تحتاج إلى مُواجهة.
وجمع الأطراف الثلاثة في موسكو الشعور بـ «النصر الجزئي»، ولا سيما أن لعبة عضّ أصابع جرت في شرق حلب، بعد اتفاق الجانبين التركي والروسي، التي قادت لتوسيع التوافق ليصبح ثلاثياً بحضور ايران، بظلال سوريا.
وساعد شعور الأطراف بامتلاك عناصر القوة والتقدّم في الميدان، على الرغم من تعاكس الأجندات في صدور بيان «إعلان موسكو»، الذي ذهب البعض لاعتباره أرضية تسوية سياسية مُقبلة، هي بدورها تتعرّض لتناقض مواعيد وأماكن، بين الاستانة التي قد تستضيف فئة من المُعارضين أوائل العام، بحضور وفد رسمي سوري، وجنيف التي تجري برعاية الأمم المتحدة، وتستهدف استكمال استراتيجية المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا بشأن التسوية في البلاد.
وفيما ساهم الدعم العسكري الروسي في تمهيد النصر في حلب، عزّز الوجود العسكري الإيراني من فرص الجيش السوري في تحقيق نصره، الذي لم يكتمل تماماً، نتيجة اتفاق موسكو وأنقرة في اللحظات الأخيرة على إخراج عشرات آلاف المُقاتلين وأسرهم من الأحياء الشرقية بعدما خسروا المعركة تماماً أمام الجيش.
تسوية، سمحت لأنقرة باعتبار نفسها منتصرة هي الأخرى، كما سمحت بجرها إلى موسكو، للاجتماع مع ايران، التي بدورها نجحت في توسيع هوامش الصفقة الروسية – التركية لتشمل الفوعة وكفريا، فحضرت بكامل هيبتها العسكرية، وتمثيلها لقواتها الموجودة برياً في سوريا.
والآن يعترف الجميع، بما سبق وقيل قبل أسابيع، بأن «ما قبل حلب ليس كما بعدها». لكن كيف ستتحرك التسوية فعلياً بين تناقضات المصالح القائمة بين اللاعبين الثلاثة؟
تعتقد موسكو أنها تمتلك عناصر قوّة في سوريا، أبرزها قدرتها على التأثير على الدولة السورية، ولا سيما أنها تمتلك العتاد العسكري الأهم على أراضيها، كما أن سفيرها في نيويورك، جاهز لرفع يده دوماً في وجه أي قرار دولي يُسيء لدمشق.
من جهتها، تمتلك إيران الآلاف من المُقاتلين الذين يخضعون لتأثيرها المُباشر، والتي تنسّق مع قيادة الجيش السوري عملياتها، من دون ذكر الدعم الاقتصادي المستمر.
وتقف تركيا على الجبهة المُقابلة، بقوات عسكرية حليفة، تقضم أراضي في الشمال، بدعم من قوات برية وجوية تركية، وتتمتّع بتأثير فعّال للغاية على كل الفصائل الاسلامية بمن فيها من تمثل تنظيم «القاعدة في بلاد الشام»، وقدرتها الكبيرة أيضاً للمناورة بقوات تنظيم «داعش» حين تشاء.
في الوقت ذاته، خسر المجتمعون الثلاثة عناصر محلية في الحرب، فلم تعد حربا بالوكالة تماماً. خسرت روسيا طيارين وجنوداً ومُستشارين عسكريين، وأطباء وديبلوماسيين نتيجة الحرب السورية. قُتل للأتراك جنود وضباط ومدنيون داخل الأراضي السورية وخارجها بفعل تأثير هذه الحرب، وكانت لايران أيضا خسائر كبيرة بفقدان العديد من ضباطها ومستشاريها العسكريين على الاراضي السورية.
أكثر من ذلك، اتهم كل من الأطراف الثلاثة الآخر باستهداف قواته، وأحياناً بالدليل القاطع، اذ لا تعرف أنقرة إن كانت دمشق أم موسكو أم طهران، هي من تُسيّر طائرات من دون طيار لاستهداف جنودها في الشمال الشرقي من سوريا، فيما تتيقّن إيران أن مستشاريها الذين تفقدهم في المعارك، تُساهم الخبرة العسكرية التركية في موتهم، فيما سبق للروس أن خسروا جنودا بنيران «الصديق» التركي الحالي.
من جهة أخرى، تجمع طهران وموسكو وأنقرة مصالح اقتصادية هائلة تتجاوز عشرات المليارات من الدولارات من اتفاقات التبادل التجاري والتعاون في مجالات الطاقة والتنمية واستثمارات البنية التحتية. وهو ما يعني علاقات مستديمة تُخطّط لعشرات السنين من التعاون. كيف تتمّ ترجمة كل ذلك في الميدان السوري؟
تتمثّل العقدة الرئيسية، في فهم كل طرف لما يعتقده ممكناً، كحد أقصى من التنازل، من طرفه. على الأقل كما بدا من «إعلان موسكو»، الذي ركّز على توافق الأطراف على اعتبار «سوريا دولة مُوحّدة علمانية ذات سيادة وتحمي حقوق جميع أطياف وأعراق مجتمعها». يبقى السؤال كيف يفهم الأطراف الثلاثة «العلمانية»؟ كما تصوّر كل طرف لما يعنيه حماية حقوق الأعراق؟
أما العقدة الأبرز، فهي تصوّر كل طرف لقدرته على التأثير في دمشق، التي وإن تبدو غائبة عن هذا اللقاء، إلا أن عنادها كان حاضراً في أذهان المُجتمعين.
يبدو من الصعب تخيّل أن القيادة السورية، التي خاضت هذه الحرب المؤلمة خلال هذه الأعوام الستّة، ستنتظر مجيء تسوية خارجية لكي تقوم بتطبيقها طواعية. وربما الأجدر القول، استناداً لحرب السنوات الستّ، أن ما يجري هو مُحاولة جرّ أنقرة للعملية السياسية، ريثما تنضج عوامل التسوية الحقيقية في صيف عام 2017، مع تحقّق التغيير المنشود في أوروبا والولايات المتحدة.
صحيفة السفير اللبنانية