هل يمكن إعادة هيكلة اتحاد الكتاب ؟! (3)
خاص باب الشرق
أرجو من الزملاء في اتحاد الكتاب أن لايتهيّبوا من الفكرة، لأن الفرصة متاحة أمام بلادنا لتعيد كل شيء نحو الأفضل بوجود الهوية الوطنية والسوية الثقافية والأفكار الخلاقة.
وقبل الوصول إلى مشروع ثقافي وطني يتم إقراره في المؤتمر العام نحتاج إلى خطوات يجري الحوار حولها لضمها إلى جدول أعمال المؤتمر العام القادم لعل المؤتمر يقوم بتعميقها، وإقرارها، والأفكار كثيرة حتى أن أحد الزملاء في لجنة الصياغة المكلفة طلب أن أقدم له أي فكرة عندي . وأريد أن أنوه أن المسألة تتعلق أساسا بطبيعة المشروع وأهميته وطريقة التعاطي معه، وليست بجمع الأفكار الإجرائية ، ومع ذلك أقدم ما لدي بثقة واحترام للآخرين :
أولا : إعادة هيكلة اتحاد الكتاب العرب، على صعيد منصاته ومنشوراته وجمعياته وطريقة عمله الإداري والمالي، ويبدو العنوان هنا مخيفاً وتعجيزياً، بالنسبة لآليات العمل الموجودة وظروفها، وفي واقع الأمر، ليس هناك ما يمنع أبداً من إعادة الهيكلة، على نحو جدي وفاعل وغير مكلف إذا كانت النية هي فعلاً تفعيل الدور الوطني للكتاب والمثقفين..
وفي واقع الاتحاد، فإن الجمعيات التي يتألف منها تحتاج إلى تنشيط وحيوية كبيرة، فجمعية المسرح متوقفة وجمعية أدب الأطفال لا تعمل في حقل الأطفال، وجمعية الدراسات تعجز عن تقديم دراسة بناءة في المشروع الثقافي، ولا تستطيع منافسة مراكز الأبحاث المستجدة في عملها ومنشوراتها، وجمعية القصة والرواية لم تتمكن من ترويج كُتّابها ولا منشوراتهم ولا حتى تأمين خزانة لأرشيفها رغم أنها سعت بحيوية لوضع أسس تطويرها، وجمعية النقد لم تساهم بعد في دفع سوية النص الإبداعي السوري، وهكذا.. لذلك من المفيد تفعيل عمل هذه الجمعيات بإعادة صياغة مهماتها على نحو يومي:
جمعية أدب الأطفال، ويفترض أن تصبح (جمعية الكاتب الجديد)، أي جمعية للأجيال (الأدباء الصغار والأدباء الشباب)، الذين لم تنشر إصداراتهم بعد، فتستقطب مواهب الكتّاب الأطفال والفتيان، فتقيم لهم ورشات عمل، وتسعى لتحويلهم إلى مشاريع كتّاب ودمجهم في العملية الثقافية، والتنسيق مع برامج المواهب ونوادي الأطفال في الإعلام وأنشطة المراكز الثقافية لتسويقهم ، ولا مانع من إحداث نوع من (العضوية المُبشّرة) للأطفال والفتيان مع جوائز تشجيعية وأنشطة تغطي الفراغ الحاصل في المنصات الثقافية الضخمة التي أحدثتها الدولة في كل أنحاء البلاد وفي وقت هذا الجيل.
جمعية المسرح، وهي جمعية متوقفة وذابلة، تكاد توحي أن المسرح مات، وهي هنا معنية بأن تتجدد مع تطورات المجتمع والفنون، فما المانع من تحويلها إلى (جمعية الدراما)، وتضم النشاط المسرحي والكتابة الدرامية التلفزيونية والإذاعية وحتى السينمائية فتدخل في عصر الكتابة الجديد وتحتضنه بدلا من النأي عنه..
وهنا ما الذي يمنع من فتح المجال أمام كتاب السيناريو من الانتساب إلى الجمعية وتحويلها إلى جهة منظمة لعملية الكتابة الدرامية وتشرف عليها وتقحم الكتاب في اللعبة الفنية الكبيرة من بوابة (النص)، وإذا كان من يحتج على أن كتاب السيناريو على قارعة الطريق، الرد بسيط فكثير من الأعضاء في الاتحاد أقل منهم سوية .
جمعية الدراسات والبحوث، وهي واحدة من أهم الجمعيات التي أغفلها المجتمع ولم تنتبه إليها وسائل الإعلام في الحقبة الماضية، وهذا ما أضر ببنية البرامج السياسية والحوارات الفكرية، التي أطلقت نماذج من الدارسين ليسوا مختصين وغير قادرين على تشكيل طيف من الآراء التحليلية في الحدث الثقافي والفني والسياسي ، ويفترض أن يتم التنسيق على أعلى المستويات بين الإعلام وبين هذه الجمعية وهي الأقدر على إعادة إنتاج الدارسين وتأطير نشاطهم وفتح النوافذ المشرعة أمامهم.
موقع الاتحاد على الشبكة، تحتاج آليات التعامل مع موقع اتحاد الكتاب العرب على الشبكة العنكبوتية وصفحة الفيس بوك وغيرها إلى آلية عمل جديدة، تجعلها من أهم آليات التواصل والنفاذ إلى القارئ والكاتب معا وتدمج نشاطهما معاً وتفعله وتغنيه بأساليب شبابية غير محنطة، فالموقع الموجود جثة هامدة لا يتجاوز عدد زواره العشرة يومياً ، وتحديداً من الكتاب الذين يتفقدون أنفسهم هل ماتوا أم بقوا أحياء من خلال أسمائهم المدرجة كقائمة طلاب مدرسة ، إضافة إلى أنه لا يُحدّث المعلومات في سجلات أعضائه ولا في منشوراته، ولا يفتح على علاقة واسعة مع رواد الشبكة العنكبوتية، وإذا تم تحديثه لا يجري التفعيل وفقاً لآليات النشاط التواصلي المعروفة بل وفق اسس جديدة. والمطلوب إضافة موقع آخر شفاف للكاتب السوري يحتضن آراء الكتاب ويفعلها، تحت اسم غير رسمي، وإطلاق صفحات ترويج فيسبوكي مع تويتر وغيرها ، وتكون مهمتها ترويج النص السوري وكاتبه بنشر مقاطع قصيرة وصور الكتاب وطرائفهم والابتعاد عن خطاباتهم المطولة والجامدة، وإعادة إنتاج تعريفاتهم وتحديثها وجعلهم نجوما في المجتمع.
ثانيا ، إصدارات الاتحاد :
تؤدي إعادة هيكلة الاتحاد إلى تربة جديدة تنتعش فيها الإصدارات، إذ لم ينتبه أحد منا وهو يتحدث عن إصدارات الاتحاد إلى السؤال عن عدد القراء الذين وصلت إليهم أفكارنا وإبداعاتهم، وقد جهد الزملاء على زيادة الإصدارات لا على البحث في قرائها وعن جدواها وعن سوقها.
والمهم هنا تثبيت نقطتين هامتين، واحدة تتعلق بالتكاليف ومردود النشر على الكاتب، والثانية تتعلق بالوصول إلى القارئ ومردود ذلك على القارئ، وهي معادلة مترابطة وجدلية.
أنا مثلاً لا أود الكتابة في نشرة لا يقرؤها أحد حتى بمقابل مبلغ كبير، ولكن أقبل النشر في موقع رائج مقابل مردود أقل، لأن الرواج يعود بسمعة والسمعة تعود بتفاعل الآخرين ويأتي المردود المالي تحصيل حاصل، وهذا هو مفهوم التسويق الحقيقي للكاتب لا التكديس في معارض لا يدخلها إلا عدد قليل .
لقد تعددت المنشورات والحال واحدة، وأقترح أن نكتفي من الإصدارات بمجلة (الموقف الأدبي)، وتكون قادرة على استيعاب إنتاجنا ، ويمكن أن تصدر بمعدل نصف شهري، وبما يتوفر من تكاليف يمكن مضاعفة المكافآت ثلاث مرات عما حددته وزارة الثقافة، ويفترض منطقياً أن تكون المكافأة تكفي لإطعام أسرة من ثلاثة أفراد ليوم واحد على الأٌقل، ويعاد حسابها بشكل نصف سنوي شريطة أن تليق بالمحتوى المكتوب.
أن يصدر الاتحاد مجلة (الكاتب السوري) ، وتنشر فيها (إبداعاته وحواراته، وتكون فصلية، وتعامل بالآلية نفسها على صعيد المردود، وتنتقى أجمل الإبداعت للكتاب السوريين الناشطين ويحدد ذلك هيئة التحرير . ويمكن أن تخصص المجلة كل سنة أعدادا خاصة بنقد إبداعات جديدة من القصة السورية ، والشعر السوري، والمسرح .. وهكذا .
وبالنسبة للكتب لاداعي لتكديس كتب لا تقرأ، بل يُكتفى بنشر الكتب الرائجة (كل طبعة 300 نسخة) إضافة إلى الكتاب الإلكتروني، أما الكاتب الذي فشل كتابه الأول في فرض نفسه في شارع الثقافة الافتراضي عادة، فيكفي طبعة واحدة يعطى ثلثها للكاتب من أصل مكافأته، وهنا من الضروري البحث عن أفكار خلاقة لترويج الكتاب ولها موقع آخر.
أن يرعى اتحاد الكتاب عدة برامج تلفزيونية وإذاعية لتسويق الكاتب وإبداعه وتكون جذابة في الشكل والمضمون، ويمكن في هذا الصدد البناء على البرامج الثقافية الناجحة في العالم لا البقاء على برامج لا تشاهد ولا تسمع والأهم هنا أن تشارك هذه البرامج الكاتب في حوارات ساخنة تخصه وتخص قضاياه وتثير اهتمام المشاهد .
أن ترفع سقوف الأنشطة الثقافية الناجحة ويجري الإعداد لها جيدا، وتتسع لتكون عربية وعالمية بالتبادل مع اتحاد الكتاب والأدباء في العواصم العربية، وأريد أن أتحدث هنا عن نقطة هامة هي أن نوعية النشاط الذي قامت به تجمعات الكتاب الشباب (القصة القصيرة جداً مثلا وكنت أحد منشطيها قبل عقدين)، فنجحت وامتدت إلى المجال العربي وتُفعّلها الآن وسائل التواصل وتتجاوز كل نشاط الاتحاد، واشتغلت ونجحت باستقلال عنه.
ثالثا : إحداث مكتب علاقات عامة وأنشطة :
- يقوم هذا المكتب بدورين في آن واحد : إعلامي وترويجي، ويعمل على تسويق الكاتب وإبداعه وتامين كل العمليات الإدارية والبروتوكولية مع الداخل والخارج وينشيء شبكة أصدقاء واسعة لدعم الاتحاد.
- لجنة حقوقية للدفاع عن الكاتب وحقوقه وهي في جوهر عمل الاتحاد كمنظمة تدافع عن الكتاب ويمكن أن يكون فيها مندوب عن نقابة المحامية وآخر عن العدل وثالث عن وزارة الداخلية .
- أن يعفى الكاتب فعليا من ضريبة مكافآته المالية تحذف من تعويضات الكتاب عن كتبهم.
رابعا : إحداث يوم في السنة هو (عيد الكاتب السوري) نحتفل فيه ونكرم أفضل الكتاب الذين انتشرت كتبهم أو نالوا جوائز أدبية ونقف بأنشطة فرعية عند المتوفين بين عيدين .
لاحظوا ما الذي سيحصل في هذه المعطيات :
- نشاهد حيوية ثقافية مقبولة لا تلبث الدولة نفسها أن تحاكيها كما فعلت بالفنانين وتقدم لهم الدعم على كل الصُعد .
- يستطيع هذا الكيان أن ينجز المشروع الثقافي الوطني، وأن يعيد إنتاجه، وأن يفرض احترامه على الآخرين.
- سيتم ترويج أجيال جديدة من الكتاب والمبدعين وسيتم توفير موارد وصبها في تحديث آليات العمل
- سيتم تحسين سوية المردود المالي .
- سيتم عملية تسويق الكاتب وكتابه.