هل يمكن التفاؤل بدور جديد لمصر في الحرب السورية؟
من التسرّع القول إنّ كلاً من إيران وسوريا قد نجحتا في جذب القاهرة إلى يوميات الحرب السورية، بما يسمح للقاهرة بالتحوّل إلى لاعب إقليمي بارز في هذا الميدان، إلا أن زيارة رئيس مكتب الأمن الوطني في سوريا اللواء علي مملوك إلى القاهرة الأسبوع الماضي، وتصويت مصر مع مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن مؤخراً، كذلك حضورها في اجتماع لوزان القصير، كلها مؤشرات على إمكانية استحضار لدور مصري بارز، وإن ظلّ ما يُوحي بإمكانية تحرّك أي تسوية إقليمية ضئيل الاحتمال.
وبدأ الاستيقاظ لفعالية مصر المُمكنة، منذ أسابيع حين طلب مسؤولون أوروبيون من مصر بذل جهود إقليمية، تُساعد في إيصال بعض المساعدات الإنسانية إلى بعض المناطق السورية، ولا سيما المناطق التي تُشكّل عنصر جذب إعلامي غربي كما في حلب. إلا أن دمشق لم تستجب للرغبة المصرية، حينها، ولا سيما أن صندوق البريد المُتعلّق بأوروبا امتلأ برسائل من ذات المضمون منذ بداية الحرب، بما جعل دور أوروبا، من منظور دمشق، يقتصر عموماً على تنشيط العقوبات الاقتصادية والسياسية من جهة، ومُحاولة إرضاء الضمير العامّ بإرسال شحن غذائية ودوائية لمناطق الصراع من جهة أخرى.
وفي نهاية أسبوع من الاتصالات، وافق السوريون على دور إنساني، لكن يقوم به المصريون من دون الحاجة إلى الرعاية الأوروبية، وذلك فيما كانت حلب تستقرّ كعنوان الأزمة الأبرز في سوريا.
ووفقاً لمعلومات «السفير» من مصادر ديبلوماسية وسورية محلية، يحضر الدور المصري الآن كركيزة من ركائز الجهد الروسي ـ السوري، وبتعاون من إيران التي طلبت حضور مصر في لوزان بشكل حصري من الأميركيين، وذلك لعقد تسوية في مدينة حلب، تسمح بتزويد أحيائها بحاجات دوائية وغذائية، وبخروج ما هو ممكن من المدنيين ولا سيما أصحاب الحالات الخاصّة. وذلك، فيما يبقى الدور المصري المحتمل مستقبلاً مبهماً، وينتظر رافعة أكثر ارتكازاً من تلك التي يعتمد عليها الوضع الراهن.
وفي النقاش الذي يتبادله ديبلوماسيون غربيون حاضرون بشكل متقطّع في دمشق، يكثر التلميح للحاجة إلى النظر والتفكير في «مرحلة ما بعد حلب»، اعتباراً أنه بغضّ النظر عن الطريقة التي يُمكن أن تتراوح بين عملية عسكرية تقود لانهيار صفوف المُسلّحين وإذعانهم للخروج، وبين تسوية لا تشمل مقاتلي «جبهة النصرة» التي ستُخلي الأحياء الشرقية لتصبح جاهزة، وإن بعد حين لتسوية أو مُصالحة شبيهة بتلك التي جرت في حمص وأرياف دمشق.
ويعتقد هؤلاء أنّ مرحلة ما بعد حلب، المقبلة عاجلاً أم آجلاً، تحتاج إلى دينامية مختلفة عن تلك السائدة حالياً، والتي تقتصر على مجهود أميركي – روسي يدور في فلك إقليمي لا يتغيّر من أصحاب الدور الاعتيادي وهم إيران وقطر وتركيا والسعودية.
وربما لذلك، يأتي ذكر مصر كعامل مثير للاهتمام، في هذه المرحلة، وهو دور يتوق المصريون بدورهم لتأديته بروية من دون تجاوز الحذر الغربي الخليجي بعيداً، ومن دون مقابلة الإفراط في التفاؤل الإيراني ـ السوري ـ الروسي بمثله أيضاً.
وربما تكون هذه الالتفاتة لمصر، جاءت نتيجة تصويت القاهرة على مشروع القرار الروسي، الذي لم يحصل على العدد الكافي من الأصوات لتمريره في مجلس الأمن منذ أسبوعين. وهو تصويت اكتسب أهمية إضافية بانتقادات الجانب السعودي الحادّة له، ليلحق به، بعد أيام، خبر وقف الرياض تزويد مصر بالمحروقات، كما يُوجب العقد المُوقّع بين الطرفين في شهر نيسان من العام الحالي.
لكن، على الرغم من قول هذا، يُدافع كثير من مُراقبي السياسة الخارجية المصرية، عن أن القاهرة لم تخرج عن هذا السياق الذي يُناشد «التوصّل لحلّ سياسي وسطي، يُحافظ على بنية الدولة السورية ومؤسساتها، وعلى سوريا دولة مُوحّدة كاملة السيادة على أراضيها». بل يزيدون، بأن القاهرة حافظت على علاقتها بدمشق، وإن بطريقة غير معلنة، وظلّ التواصل الأمني قائماً ونشطاً، حتى في عهد الرئيس المخلوع أحمد مرسي، حيث زار رئيس الاستخبارات المصرية اللواء مراد موافي دمشق في عهده، وهو أمر لم يجر في عهد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.
لكن الزيارة المُعلنة للواء مملوك إلى القاهرة الأسبوع الماضي، أضافت نفساً تفاؤلياً جديداً للمُتحمّسين في رؤية موضع مُتقدم للمصريين عن الذي اختارته القاهرة منذ بداية الحرب السورية في 2011.
وعلى الرغم من أن هذا التموضع «لم يتغيّر»، كما تؤكد معلومات «السفير»، حاجة الأطراف كلّها إلى «ضخّ دماء جديدة في حالة الركون السياسية القائمة على صعيد حرب سوريا، تجعل مصر خياراً جذّاباً».
ووفقاً لديبلوماسيين غربيين، فإن مصر كدولة ذات شعب من هوية مذهبية سنية (وإن كان نظام الدولة علمانياً) تمنح الدولة بعض الثقل في الأزمة السورية، كما أن الاحترام الشعبي في سوريا الذي تحظى به الدولة المصرية على الصعيد التاريخي، والعلاقة التاريخية على مستوى النظام هي الأخرى، و «حنين دمشق الدائم اتجاه القاهرة» تُساعد في بلورة أداء من هذا النوع، علماً أن دمشق، بدورها، ضمن إشارات حسن النيّة، منحت القاهرة إذناً نادراً لحضور مستشارها محمد سليم توزيع مُساعدات مصرية على خط النار الفاصل في دوما بين الجيش ومُسلّحي «جيش الإسلام» وذلك في شهر حزيران الماضي.
وظهرت، أخيراً، نتائج جهود الأطراف المعنية بإبراز هذا الدور. ووفقاً لبيان الخارجية المصرية منذ أيام، فإن مصر بدأت القيام بما سمتها «مساعي وساطة من خلال البعثة المصرية في دمشق، للتنسيق بين أجهزة الأمم المتحدة العاملة في دمشق والسلطات السورية، لتخفيف معاناة أهالي حلب وإجلاء الجرحى وكبار السن وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المنكوبة في حلب».
وأشار البيان، الذي لقي ترحيباً سورياً إلى أن السفارة المصرية في دمشق تلقّت مُوافقة دمشق على المسعى المصري، وأن العمل (حينها) جار لترتيب زيارة للقائم بالأعمال المصري في دمشق المستشار محمد سليم إلى حلب، للإشراف على عمليات إجلاء الجرحى وكبار السن، علماً أن جهود مصر تضمّنت بالمضمون حينها التوسّط لإدخال المساعدات الإنسانية للمناطق المنكوبة في حلب، وذلك بالتنسيق مع منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في دمشق علي الزعتري، الذي تُفضّل دمشق نشاطه هناك، على نشاط بعثة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا الموجودة في مكاتبها في العاصمة السورية.
ولكن مع عودة القتال أمس الأول، يبدو مسار هذه العملية بحكم المتوقّف، وتحديداً في شقّه الإنساني العاجل، علماً أن الطرفين استمرا حتى صباح الأمس بالتواصل عبر سفارة القاهرة في دمشق لهذا الغرض.
كل هذا، وإن لم يزل كثيرون يعتقدون أن الإفراط في تقدير هذا الدور سابق لأوانه، إذ سبق أن ورد احتمال لقاء وزيري خارجية الطرفين في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العمومية في أيلول الماضي، هو لقاء تراجعت عنه القاهرة، فيما، تُصرّ سوريا بدورها، على تفاصيل بروتوكولية في إطار علاقتها بمصر (كما بدول أخرى أيضاً) يعتقد البعض أنها «تُعقّد رغبة الأطراف الأخرى أحياناً في تقديم مبادرات خاصّة»، من دون إهمال العوامل الأخرى المُتعلّقة بقدرة كل طرف على المناورة أيضاً، ضمن هامش تحالفاته وخصوماته على المشهد السوري، وهي عوامل ستختبرها القاهرة في سعيها لنيل التأييد على مشروع قرارها المُشترك مع إسبانيا ونيوزلندا في مجلس الأمن هذا الأسبوع.
صحيفة السفير اللبنانية