تحليلات سياسيةسلايد

هل يُقنع الرئيس الإيراني نظيره الأسد بلقاء أردوغان ومُصافحته في قمّةٍ رُباعيّةٍ في موسكو أثناء زيارته لدِمشق الأُسبوع المُقبل؟

جدول أعمال زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي للعاصمة السوريّة دِمشق التي من المُقرّر أن تبدأ الأربعاء المُقبل، سيكون مُزدحمًا بالقضايا الاستراتيجيّة التي ستتصدّر مُباحثاته مع مُضيفه الرئيس بشار الأسد، ليس لأنّها الزيارة الأولى لرئيسٍ إيرانيّ مُنذ اندلاع الحرب في سورية عام 2011، وإنّما أيضًا لأنّها تأتي في وقتٍ تقف فيه مِنطقة الشّرق الأوسط على حافّة تغييراتٍ سياسيّة جذريّة، وبخريطةِ تحالفاتٍ جديدة، وحُروبٍ إقليميّة، بعضها قائمٌ والبعضُ الآخَر قادم، بالنّظر إلى حالة التوتّر المُتصاعدة.

الرئيس الإيراني يزور سورية بعد توقيع اتّفاق تاريخي مع المملكة العربيّة السعوديّة، وقبل أيّامٍ من حدثين عربيّين مُهمّين، قد تلعب سورية دورًا مُهِمًّا فيهما، الأوّل الزيارة المُتوقّعة، وربّما الوشيكة للرئيس السوري بشار الأسد إلى الرياض تلبيةً لدعوةٍ من عاهلها، والثانية انعقاد القمّة العربيّة في العاصمة السعوديّة يوم 19 أيّار (مايو) المُقبل، وقد تشهد استعادة الدولة السوريّة لمِقعدها فيها.

إذا وضعنا مسألة عودة سورية لمكانتها البارزة في مُؤسّسة القمّة، أو بالأحرى العمل العربيّ المُشترك جانبًا، باعتبارها “تحصيل حاصل”، فإنّ القضيّة التي تحظى بأهميّةٍ كُبرى في هذه الزيارة تتمثّل في مسألة تطبيع العلاقات السوريّة- التركيّة، ولقاء القمّة الإقليمي الأهم بين الرئيس السوري ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، وقبيل إجراء الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة التركيّة المِفصليّة، وعلى أمل تحسين فُرص الأخير في الفوز فيها.

لم يَعُد سِرًّا أن كُل من إيران وروسيا لا تُريدان فوز التّحالف السّداسي المُعارض بقيادة كمال كليتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري الذي يتمتّع بعلاقاتٍ جيّدة مع الولايات المتحدة الأمريكيّة، وعلى عكس خصمه الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، ولكنّ الرئيس الأسد، الذي لا يثق مُحِقًّا، بالرئيس التركي أردوغان ولا يأمَن جانبه، وهو الذي اكتوى من جُحره بلدغاتٍ “قاتلة” يُفضّل أن يتم هذا اللّقاء بعد خُروج نتائج الانتخابات، ومعرفة هُويّة الرئيس الجديد وحُكومته، فهو لا يُريد أن يشتري سمكًا في بحرٍ مثلما يقول المثل الشّامي الشّهير.

الرئيس الأسد قاوَم ويُقاوم ضُغوطًا جبّارة مارسها حليفيه الأوثق، أيّ إيران وروسيا، ويتمسّك بشرطه الرئيسي وهو انسِحاب جميع القوّات التركيّة المُحتلّة من شمال سورية، وعودتها إلى السّيادة الوطنيّة، ويعتقد أن الرئيس أردوغان الذي يُؤكّد 12 استطلاعًا للرأي أُجريت في الأُسبوعين الماضيين تخلّفه في السّباق، يُريد أن يُوظّف قمّة المُصالحة المُقترحة للفوز، وهزيمة خُصومه، وقد يتنصّل من أيّ تعهّداتٍ بالانسِحاب، خاصّةً أن هُناك تجارب سابقة، أبرزها اتّفاق سوتشي عام 2019 الذي توصّل إليه مع الرئيس بوتين وتعهّد فيه بإخراج جميع الجماعات المُسلّحة والمُصنّفة إرهابيًّا في مِنطقتيّ إدلب و ريف حلب.

الروس، وانطلاقًا من مصالحهم الاستراتيجيّة الخاصّة، وأبرزها الفوز في الحرب الأوكرانيّة على التحالف الأمريكي، يرون الرئيس أردوغان الذي تدهورت علاقاته مع الولايات المتحدة، مُقابل تعزّزها مع روسيا، سياسيًّا، واقتصاديًّا، وعسكريًّا، هو الحِصان الذي يُمكن الرّهان عليه، لأن فوز المُعارضة قد يُحَوّل تركيا إلى قاعدةٍ لقوّات أمريكيّة على الحُدود الروسيّة، إلى جانب تقديم عشرات آلاف المُسيّرات (بيرقدار) إلى الجيش الأوكراني، بالإضافة إلى معدّاتٍ عسكريّةٍ ثقيلةٍ وذخائر أُخرى، وتقف القيادة الإيرانيّة في الخندق الروسي نفسه، وتتبنّى وجهة النظر هذه حرفيًّا، ودون أيّ تحفّظ، وهي التي وقفت في الخندق الروسي في اليوم الأوّل من الحرب.

مُشاركة وزير الدفاع السوري في المُؤتمر الرباعي جنبًا إلى جنب مع نُظرائه في كُل من روسيا وإيران وتركيا قبل بضعة أيّام في موسكو كانت تعكس مُرونة سورية وتغييرًا ملموسًا في موقفها، وما زالت أسباب هذه المُرونة غير معروفة، وهُناك أنباء تُؤكّد أن الحملات الإعلاميّة السوريّة على الجارِ التركيّ قد خفّت حدّتها في الأيّام القليلة الماضية.

السُّؤال الذي يطرح نفسه بقوّةٍ هو عن نوعيّة الضّمانات التي سيُقدّمها الحليفان الروسي والإيراني لسورية بضمان التزام الرئيس أردوغان في حالةِ فوزه بالانسِحاب من الأراضي السوريّة وتفكيك “دولة” الجماعات المُصنّفة إرهابيًّا في إدلب، وهل ستكون مُقنعة بالقدر الكافي لتحقيق طُموحات الرئيس التركي بالجُلوس وجهًا لوجهٍ مع الرئيس الأسد في قمّة مُصالحة في موسكو بحُضور الرئيسين الإيراني والروسي؟

إنها مُقامرة كبيرة غير مأمونة العواقب، خاصّةً للجانب السوري بالدّرجة الأولى، ففوز الرئيس أردوغان في الانتخابات غير مُؤكّد، والتزامه بتنفيذ أيّ تعهّدات يُقدّمها لهذه القمّة غير مضمون، وربّما يكون العُنصر الإيجابي الوحيد بالنسبة للرئيس السوري أن المُعارضة في حال فوزها تتطلّع إلى علاقة حُسن جِوار مع بلاده، وتُريد ترحيل جميع اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا (حواليّ 4 ملايين لاجئ باتوا غير مُرحّب بمُعظمهم من قِبَل الناخب التركي) باتّفاقٍ مع حُكومتهم في دِمشق وإشرافها، وسحب جميع القوّات التركيّة من الأراضي السوريّة، والعودة إلى اتّفاق أضنة عام 1998 الأمني الحُدودي.

خِتامًا نقول إننا في انتظار الدّخان الأبيض، أو الأسود، بعد ختام زيارة الرئيس رئيسي لدِمشق التي تستغرق يومين فقط، لنعرف ما إذا كان الرئيس الأسد أقنع ضيفه بتحفّظاته على القمّة مع الرئيس أردوغان، أو حدث العكس، ولا نعتقد أن انتظارنا سيطول، وإن كُنّا نميل إلى أن الرئيس السوري الذي قاوم الضّغوط الروسيّة طِوال الأشهُر الماضية، وتجنّب لقاء خصمه التركي، سيقتنع بسُهولةٍ، ويُصافح الرئيس أردوغان أمام عدسات التّلفزة ولكن مع ابتسامةٍ مُتَحفّظةٍ جدًّا.. واللُه أعلم.

 

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى