هيئة الأركان العامّة بجيش الاحتلال: العمليات الهجوميّة مهما كانت ناجحةً لن تدفع إيران للتخلّي عن تطلعاتها للتمركز بسوريّة وعلى إسرائيل شنّ حربٍ دفاعيّةٍ ضدّ الجمهوريّة الإسلاميّة بالجولان


رأى الجنرال في الاحتياط، غرشون هكوهين، وهو باحث في مركز بيغن-السادات للدراسات الإستراتيجيّة في تل أبيب في مقالٍ نشره بصحيفة (يسرائيل هايوم) العبريّة، رأى أنّ وزير الأمن نفتالي بينت، وهو من أقصى اليمين ومن أشّد المُتطرّفين في الساحة السياسيّة بالكيان، رأى أنّه عرض في البيان الصحافيّ هدف عملية جيش الاحتلال في سورية: دفع إيران إلى التخلّي عن محاولة التمركز في سوريّة، كما ذكر المُحلِّل العسكريّ في الصحيفة عينها، يوآف ليمور، لافِتًا في الوقت عينه، أيْ الجنرال هكوهين، إلى أنّه بخلاف الميل السائد إلى الغموض في تحديد الهدف الاستراتيجيّ، تجرّأ الوزير بينت وحدّدّ هدفًا واضحًا وقابلاً للقياس، وتساءل: هل الهدف الذي وضعه قابل للتحقيق؟ وهل من الصواب عرض هدف استراتيجي كهذا؟.

وتابع الجنرال في الاحتياط قائلاً إنّ مُعلِّقين عسكريين كتبوا أنّه في تقدير هيئة الأركان العامّة ثمة شك في أنْ تستطيع العمليات الهجوميّة، مهما كانت ناجحةً، دفع إيران إلى التخلّي عن رؤيتها وتطلعاتها في سوريّة، مُضيفًا بالوقت ذاته أنّ النظام في إيران وعناصر الحرس الثوريّ يعملون مدفوعين بقوّة يقين، مُوضِحًا أنّ ضغوطات الواقع بالتأكيد تفرض عليهم إحداث تغييرٍ يتلاءم مع الأوضاع، لكن ما يجري ليس تخليًا عن الرؤية، على حدّ قوله.

وشدّدّ الجنرال هكوهين في سياق مقاله على أنّ القضية تتطلّب نظرةً تاريخيّةً، مُشيرًا إلى أنّه بعد أنْ أنهى الجيش الإسرائيلي “حرب 1948″، أيْ احتلال فلسطين في النكبة المنكودة، طُلب منه إجراء تقليص واسع في حجم القوات، فوجد صعوبةً في بلورة ردٍّ ملائمٍ على مشكلة ما أسماها بـ”إرهاب الفدائيين”، ومع إقامة الوحدة 101 ودمجها مع كتيبة المظليين، بقيادة رئيس الأركان موشيه دايان، تطورت، بشكلٍ تدريجيٍّ، عقيدة العمليات الانتقاميّة كردٍّ على المشكلة، لكن سرعان ما اتضح أنّه على الرغم من سلسلة النجاحات العملانية، فإنّ أسلوب العمليات لم يؤدِّ إلى تقليصٍ حقيقيٍّ في عمليات الإرهاب، كما أكّد هكوهين.

وساق قائلاً في المقال، الذي نقلته للعربيّة مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة، التي تتخِّذ من بيروت مقرًا لها، ساق قائلاً إنّ حكومة الكيان وجدت نفسها في مواجهة معضلةٍ إستراتيجيّةٍ، فأعاد دايان، بقدرته الخلاقّة المعروفة، تفسير منطق العمليات الانتقاميّة، ووضع لها هدفًا حربيًا آخر، ولاحظ بقدرته على التشخيص كقائدٍ وجود فجوةٍ بين العملية الانتقاميّة على صعيدٍ تكتيكيٍّ، وبين أهمية العملية على صعيدٍ استراتيجيٍّ، وانطلاقًا من هذه الرؤية، شرح لماذا لا تستطيع هذه العمليات بحدّ ذاتها أنْ تحِلّ مباشرةً مشكلة تهديد الفدائيين.
وتابع هكوهين: وصف دايان، في خطاب ألقاه خلال دورة ضباط في سنة 1955، المنطق الذي يُوجّه العمليات الانتقاميّة، قائلاً: انتصاراتنا وإخفاقاتنا في المعارك الصغيرة على طول الحدود وما وراءها، لها أهمية كبيرة. ليس فقط بسبب تأثيرها المباشر على الأمن الجاري، بل بسبب أهميتها في تقدير العرب لقوّة إسرائيل وثقة إسرائيل بقوتها.
ولفت الجنرال بالاحتياط إلى أنّ دايان وضع في خطابه إطارًا نظريًا مبتكرًا واقترح معنى جديدًا لهدف عمليات الانتقام، فيما بقي ما أسماه بـ”إرهاب الفدائيين” سببًا للعمليات، لكنّها وُجّهت إلى هدف أوسع كثيرًا: موضعة مكانة إسرائيل وقوتها العسكرية في النظامين الإقليميّ والدوليّ، الآخذيْن في التبلور.

وشدّدّ هكوهين على أنّ ذلك نشأ في إطارٍ استراتيجيٍّ مفتوحٍ على التطورات الإقليميّة مع توقّع: إمّا أنْ يؤدي تواتر العمليات إلى القضاء على الإرهاب، بالتدريج، وإمّا أنْ يُسرّع التدهور إلى حربٍ ونظامٍ جديدٍ، وفي هذه الأثناء، وانطلاقًا من فرصة اشتباكٍ عملانيٍّ بمبادرةٍ إسرائيليّةٍ مع الجيوش النظاميّة لمصر والأردن وسورية، بنى الجيش الإسرائيليّ قدرته، وخلق الوعي بقدرته في نظر العدو، وفي نظر الساحة الدولية. وكان للنوعية التنفيذيّة للجيش في هذه العمليات من دون شكٍّ تأثير في بلورة العملية العسكريّة المشتركة مع فرنسا، استعدادًا لعملية سيناء.

ورأى أنّه بوحيّ من عقيدة دايان، يُمكِن تقديم الحرب ضدّ القوات الإيرانيّة في سوريّة، وخصوصًا على حدود الجولان، كذريعةٍ لاشتباكٍ نبادر إليه مع القوات الإيرانيّة، انطلاقًا من مصلحةٍ دفاعيّةٍ، وليس من مصلحةٍ مُباشرةٍ في حربٍ واسعةٍ.

واختتم: إنّ جوهر التجرؤ على استخدام القوّة، أيضًا عندما يكون الأمر متعلقًا بالسير على حافة الحرب، ينطوي على إمكان حدوث تدهورٍ، لكنّه ينطوي أيضًا على إمكان موضعة مكانة إسرائيل في المنظومة الإقليميّة التي تجري بلورتها في مواجهة إيران، مُضيفًا أنّ هدف الاشتباك إظهار تفوق عملاني، مع التشديد على قوة عملانية وجرأة إستراتيجيّة، والتوضيح أنّ إسرائيل لا تخاف من اشتباكٍ عسكريٍّ، دفاعًا عن مصالحها الحيويّة، وهدف كهذا مفتوح على تطوراتٍ غير متوقعة، ولا يُمكِن السيطرة عليها، وهنا تكمن أفضليته كهدفٍ استراتيجيٍّ قابلٍ للتحقيق، كما أكّد هكوهين.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى