أحوال الدنيا

هيثم حقي. . شكرا

د. فؤاد شربجي

وأنا أعانقه مرحبا أرجعني إلى فترة “الحيوية الثقافية الدرامية” ورغم أن ظروف الحرب والسياسة فرقتنا حوالي 20 عاما، كما قدر هو، إلا أن روحه الودود وتوقي لكل ما يمثله شخصه الإنساني والإبداعي جعلني أحس أننا كسوريين عصيين على الكسر، ولا يمكن لأي سلطة أو دكتاتورية أو حرب أو أو أو أن تسلبنا روحنا، أو أن تحرمنا من توقنا للتفاعل والاجتماع والحيوية. بالفعل في لحظة ترحيبي بك وعنك أرجعتني إلى تلك الفترة التي عشناها معا من الحيوية الثقافية حول الدراما وفيها. ومرة أخرى أقول: شكرا أيها الصديق المبدع هيثم حقي.

‏ما قصدته بالفترة الحيوية الثقافية الدرامية هي فترة نهوض الدراما التلفزيونية السورية. وكنا فيها نتحاور ونتجادل حولها، ونكتب فيما ينتج أحدنا وهو يكتب رده، ويتم التفاعل بالأخذ و الرد النقدي والإبداعي. وعندما كنت مسؤولا عن مجلة التلفزيون كان كل عدد منها يحمل مادة نقدية حول عمل يعرض. وكان نقدا واضحا وقويا. رغم أنه – كما أرى الآن – لم يخل من خطأ أو تسرع أو مبالغة. ولكنه بشكل عام كان نقدا متفاعلا مع عمل معروض. وكان لأصحاب العمل أو مؤيديه مساحة للرد على هذا النقد. وهكذا كانت المجلة وقتئذ مساحة نقد متبادل. وبيئة حوار ثقافي وحيوية ثقافية درامية تكمل ما نكتبه في الصحف. وأنا اجزم أن هذه الحيوية علمتنا تطوير عملنا، وجعلتنا أكثر حرصا وأشد تفانيا، وأعمق أمانة في إنجاز أعمالنا. وأنا تعلمت من هذه الفترة الكثير. وأفتقدها جدا الآن. خاصة أننا نفتقد النقد وتغيب عنا حيوية الجدل والتفاعل. بذلك افتقدنا الحيوية الثقافية الدرامية رغم وفرة الأعمال التي تحتاج ونحتاج إلى نقدها والنقاش حولها. وبدلا من الحيوية الثقافية تتسرطن البلادة المحيطة في جونا الثقافي. وتحول كل ما يكتب عن الدراما إلى مجرد علاقات عامة، وإعلانات مصلحة لا نقد فيها ولا حيوية ثقافية أبدا مما يجعل الدراما تهيم بعيدا عن روحها الحضارية السورية الإبداعية. .  للأسف!

‏فترة التسعينيات من القرن الماضي شهدت قدوم مخرجين شباب تعلموا في أكبر الجامعات العالمية. وكان أبرزهم في التلفزيون هيثم حقي القادم من روسيا. ومأمون البدني المتخرج من أكبر المعاهد الفرنسية. وشكل حقي والبني وآخرون اتجاه جديدا في الإخراج التلقزيوني يستفيد من خبرتهما وعلمهما في السينما. وهذا الاتجاه الجديد الذي يركز على الخروج من الأستديو والتصوير في الأماكن الطبيعية بكاميرا محمولة وبطريقة سينمائية. هذا الاتجاه كان في مواجهة مسار المخرجين الكلاسيكيين الذين أغنوا الإنتاج الدرامي التلفزيوني السوري بأعمال مصورة بالاستديو. وتفاعل هذين الاتجاهين خلق تنافساً واحتكاكاً وربما صراعاً بينهما نتج عنه الكثير من التنظير للإخراج التلفزيون الدرامي. ولا شك أنه أثرى “الحيوية الثقافية الإبداعية”. وأجزم أن هذا النقاش طور عمل المخرجين الكلاسيكيين حتى ضمن الإستديو. وأخرج بعضهم إلى بيئة الحياة الطبيعية. كما أنه وعمق من عمل الخريجين السينمائيين لناحية طبيعة الدراما التلفزيونية. وبالتالي فإن من الواجب الإقرار أن هذه الحيوية في التنافس الإخراجي طور العملية الدرامية وارتقى بها، وكان يومها الإخراج بالفعل عملية إبداعية تبرز مكامن النصوص وتجسد معانيه بأمانة وتستخرج من الممثل أفضل ما عنده من أداء وتعبير، وتمزج كل أمكانيات الأداء الإبداعية بتوليفة تحترم معاني الدراما التي يحملها النص بأمانة إبداعية.

‏عودة المخرجين المثقفين والأكاديميين أمثال هيثم حقي ومأمون البني وأمثالهما مهم جداً لإحياء الجوهر الثقافي الإبداعي لعملية الإخراج بعد ما صار الإخراج – معظمه وليس كله – عملية تقنية لا تهتم ( وربما لا تدرك) بالمعنى الدرامي. ولا تعير المحتوى الإبداعي للنص أي اهتمام. وتركز على إشعال الإثارة وتلميع النجوم، والإمعان بالاستعراض. ورغم وجود مخرجين مبدعين على الساحة (لكنهم قلة وفرادى)، فإن طغيان (الإخراج التشبيحي) وانتشاره خلال فترة الحرب، وبسبب غياب المبدعين الحقيقيين، وبسبب تكريسه عبر السوشال ميديا الأمية أو المأجورة، وهذا كله ما يهدد الروح الإبداعية الحقيقية والجوهرية للدراما التلفزيونية السورية. وليس من كاشف لهذا الإخراج التشبيحي إلا حضور الإخراج الإبداعي الأصيل، واستعادة المعنى الحقيقي للإخراج. وهيثم حقي واحد من أهم رموز الإخراج الحقيقي والإبداعي والأصيل.. شكرا هيثم حقي، وشكرا لكل هيثم حقي أكان شاباً أم مخضرماً…. ولا بد أن نستعيد حيويتنا الثقافية الإبداعية الدرامية . . .  لابد وحتما.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى