وإذا الموؤودة سُئلت
يعاني العقل العربي الجمعي من جملة من الأعراض المصاحبة لحالات من التغييب القسري بفعل عوامل جيوبوليتكية أحيانا، أو التراخي الذاتي بفعل الرفاهة التي اغرقته فيها الحقبة النغطية وثقافة حراسة الآبار، أو بفعل القهر الذاتي المستنسخ من قهورات اجتماعية وسياسية لعبت فيها السلطات المتعاقبة دورا ليس هينا، ومن هذه الأعراض المفرطة في زمانتها : القفز على معطيات تاريخية دون أدنى محاولة لللإفادة منها إيجابا وسلبا ، استيعابا ضرورية لماكان ؛ عله يكون مرشدا وفيا لما هو آت ، وعبورا من نكسة إلى انتصار دون تسليمه طواعية للعدو كما حدث من( بطل الحرب والسلام!)
ومن الأحداث التي يمر عليها العقل العربي كل عام دون التوقف الضروري على إرهاصاتها ونتائجها ، هذا الحلم الذي تحقق بالفعل على أرض الواقع بإرادتين عظيمتين من شعبين شقيقين ، متمثلا في الوحدة العربية التي أشعلت الأمة آمالا في غد أكثر إشراقا وأمنا ، وأوقفت المجتمع العربي بكامله على ترجمة حقة لحلم طال انتظاره ، بشر به الكثيرون ، وتخشَّته قوى الغرب المتآمر ، لكنه أعلى رايته بإعلان الجمهورية العربية المتحدة بإقليميها الشمالي والجنوبي وقيادتها الموحدة ، في الثاني والعشرين من فبراير عام تسع وخمسين وتسعمائة وألف ؛ حيث التحم الشعبان : المصري والسوري في دولة واحدة كانت كافية ليدرك المخلصون إمكان ترجمة الأحلام إلى واقع محسوس ومعيش ، رغم تباينات في الرؤى والمواقف هنا أو هناك ، إلا أن قوى ( الاستدمار ) ووكلاؤها من ( حراس الآبار ) احتشدوا لوأد المولودة التي أوشكت أن تصير إلى شبابها عروسا يباهي بها أهلوها ، فكان إعلاء التناقضات التي لايخلو منها مجتمع ، وإذكاء التحاريض ، والنفخ في نار الخلاف ليحدث الانفصال بعد سنوات ثلاث من قيام دولة الوحدة ،لينتصر الظلام على النور وتغرق العتمات كل محاولات الإشراق ، ليظل خادم القوى الاستدمارية سعيدا بخدمته ، فرحا بخضوعه ، متلذذا بما تلقي عليه القوى المناهضة لأية نهضة عربية من فتات الرضا وأطنان السلع الاستهلاكية ، فيظل سعيدا بصوره في المرايا الصواقل مع حضارة الماك والكنتاكي ، وفتيات البورنو كليب ومؤتمرات القمم الكلامية
إن المتأمل المحايد والمراقب المنصف ليستطيع دون عناء أن يتأكد أن الانفصال وإن تحقق سياسيا لم يترجم إلى واقع؛ فلا يزال الشعبان على قلب واحد ولاتزال الأحلام في استعادة الحلم ناطقة بمواقف وآراء المخلصين.
أيها العقل العربي الغارق في متابعة فضائيات السلعنةوالإلهاءات وأسواق المتعة العربية ألا يمكن أن تتوقف للحظة صدق مع النفس لتجيب عن السؤال الحارق
وإذا الموؤودة سئلت .. بأي ذنب قتلت ؟ وستدرك أن الإجابة أنك رضيت الغياب فيما لو منحت الفرصة لاستعادة وعيك وتخلصت من تبعات ثقافة حراس الآبار، وأن الذنب كان ذنبك لا ذنب هذه المؤودة التي ستظل جريمتك حيالها ناطقة بما يشبه انتحارك فيما لعبت دور القاتل الأجير.