واشنطن تكثّف تحرّكاتها: الانسحاب من سوريا مؤجّل

تواصل القوات الأميركية تحرّكاتها في شمال شرق سوريا، ممدّدةً نشاطها في اتجاه مدن وبلدات كانت قد انسحبت منها عام 2019، في كل من الرقة وعين العرب (كوباني)، ومكثّفةً مراقبة الأوضاع الميدانية في ديرالزور عبر «قاعدة الشدادي»، في خطوات لا تدلّ على انسحاب أميركي كامل ووشيك من الأراضي السورية. وتأتي هذه التحرّكات، رغم تأكيد المبعوث الأميركي إلى سوريا، توماس باراك، نيّة القوات الأميركية باستكمال انسحابها من سوريا، مع الاحتفاظ بقاعدة وحيدة، يرجّح أنها «التنف»، وذلك بعد انتفاء سبب وجودها في سوريا.
وتكشف الفوارق بين التصريحات والأفعال عن خلاف بين مسؤولي وزارة الدفاع والاستخبارات من جهة، والمسؤولين الدبلوماسيّين من جهة ثانية، في ظل سعي الأخيرَين لاستعجال الانسحاب الأميركي من سوريا، ورغبة العسكريّين في التريّث في تطبيق الانسحاب الكامل، بدعوى إمكانية استعادة تنظيم «داعش» نشاطه في سوريا والعراق، واحتمال وقوع هجوم إسرائيلي على إيران. وكشفت عن هذا التوجّه الأخير، تصريحات قائد «القيادة المركزية الأميركية»، الجنرال مايكل كوريلا، التي بيّن فيها أنّ «عدد مقاتلي داعش يبلغ نحو ألفي مقاتل في العراق وسوريا»، مشيراً إلى أنّ «هناك 8 آلاف معتقل لداعش في مرافق يديرها شركاؤنا الأكراد السوريون». ولفت إلى أنّ «الأكراد يتحدّثون إلى (الرئيس السوري الانتقالي، أحمد) الشرع، مباشرة، وتركيا أدّت دوراً جيداً في ذلك».
وكشف أنّ «دمج الأكراد في سوريا يمضي بصورة جيدة»، مؤكّداً أنّ «التركيز هو على الحوار بين الحكومة السورية والأكراد، ويمكن أن يشمل ذلك في المستقبل أقليّات أخرى». وشدّد على أنّ «علينا أن نراقب أفعال الحكومة السورية ومن بينها دمج المقاتلين الأجانب في الجيش السوري»، مضيفاً أنه «يتمّ دمج بعض الأجانب في الحكومة السورية وعلينا تقييم ما يجري».
ويضاف إلى تصريحات كوريلا، عقد اجتماع للمجموعة المصغّرة لـ«التحالف الدولي» ضد «داعش» في إسبانيا، شدّد على الالتزام بتعطيل سفر الإرهابيّين وشبكات التمويل والتجنيد، وناقش تهديد «داعش» في سوريا ومصير المحتجزين في مخيمات الشمال الشرقي، وفق بيان لـ«التحالف»، أشار إلى أنّ الأخير «يبحث سُبل مواجهة داعش عبر الإنترنت والتقنيات الحديثة»، مؤكّداً أنه «يدرس إعادة هيكلة شاملة لتعزيز فعالية مواجهة داعش عالمياً».
وعلى الأرض، استقدمت قوات «التحالف» بقيادة الولايات المتحدة، تعزيزات عسكرية إلى قواعدها العسكرية في محافظة الحسكة، مع نقلها في اتّجاه «قاعدة المالكية» في ريف المحافظة الشمالي، و«قاعدة قسرك» على طريق القامشلي – تل تمر في الريف الغربي. كما نفّذ «التحالف» تدريبات عسكرية بالذخيرة الحيّة في «قاعدة قسرك»، سبقتها تدريبات مماثلة في «معسكر الطلائع» شمال مدينة الحسكة، في رسالة تأكيد للاستمرار في أداء المهام، رغم التوقعات بتقليص إضافي للقوات قبل حلول شهر أيلول القادم.
وكانت وسائل إعلام تحدّثت نقلاً عن مصادر مطّلعة أنّ «القوات الأميركية زادت من عديدها في أربيل، بعد تنفيذ انسحاب جزئي لنحو 500 جندي من سوريا»، في إشارة إلى أنّ هذه القوات لم تنسحب من المنطقة. وفي السياق نفسه، تؤكّد مصادر ميدانية، لـ«الأخبار»، أنّ «التحالف الدولي يواصل عمله في مناطق شمال شرق سوريا، من دون وجود أي مؤشرات إلى انسحاب كامل من المنطقة خلال شهور»، مرجّحة أن «يبقى ملف عوائل تنظيم داعش في مخيم الهول، ومعتقلي داعش في السجون بيَد الأميركيّين وقسد».
وتشير المصادر إلى أنّ «واشنطن ترى في الاحتفاظ بعدد من الجنود في قاعدة واحدة على الأقل شمال شرق سوريا، ضرورة ملحّة، في ظل عدم إنهاء ملف مخيمات ومعتقلي تنظيم داعش، وتوقعات بتصاعد عمليات التنظيم في سوريا»، لافتة إلى أنّ «تصاعد الحديث عن قرب وقوع اشتباك إسرائيلي مع إيران، قد يجعل من استمرار مهمة القوات في سوريا ضرورية». وبيّنت أنّ «دمج المقاتلين الأجانب في الجيش السوري وحده يحتاج إلى مراقبة لعدة سنوات، لضمان التخلّي عن الأفكار العقائدية السابقة»، مضيفة أنّ «واشنطن ربما ستحصل على موافقة حكومة دمشق على البقاء في قواعد شرق وجنوب البلاد، لضرورات أمنيّة بحتة، ولشرعنة وجودها هناك».
صحيفة الاخبار اللبنانية