
نجحت المملكة العربية السعودية، بالتعاون مع فرنسا، في عقد أكبر مؤتمر دولي في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي لدعم وإنعاش وتفعيل “حل الدولتين”. وشاركت في المؤتمر 140 دولة. واتفق الجميع على ضرورة وقف الحرب في غزة فورا وأعاده جميع الرهائن ، وخروج حماس من غزة وإصلاح السلطة الفلسطينية لإدارة جميع الأراضي الفلسطينية بما فيها غزة. ولتحقيق كل ذلك لابد من خلق مسار عملي ومنتج لتحقيق حل الدولتين بإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة وواضحة الحدود بجانب دولة إسرائيل. والفكرة الاستراتيجية الحاملة لضرورة هذا الحل أن (لا أمن ولا استقرار للإسرائيليين. ولدولة إسرائيل وللمنطقة كلها إلا بإعطاء الفلسطينيين حقوقهم الوطنية بإقامة دولتهم) ودعمت كثير من الدول الكبرى هذا المقترح بإعلان استعدادها للاعتراف بدولة فلسطين. فرنسا أعلنت أنها ستعترف بها قريبا كذلك بريطانيا وكندا ودول كثيرة. فهل اقتربنا من تحقيق هذا الحل؟؟ أم فات الأوان على مثل هذا المسار؟؟ وما الذي يعيقه بشكل جدي؟؟
لم يكن مفاجئا ألا تشترك الولايات المتحدة في أعمال هذا المؤتمر، لكن اللافت كان مدى الجرأه في رفض وزير الخارجية الأمريكية ماركو روبيو لحل الدولتين، وللمؤتمر المنعقد حوله، حيث قال في مقابلة أجراها معه رأيان كليميد من إذاعة فوكس أن هذا المؤتمر (لا يعني أي شيء). ثم شرح (أولا لا تملك أي من الدول المشاركة في المؤتمر القدرة على تأسيس دولة وطنية فلسطينية. ولا يمكن أن تكون هناك دولة فلسطينية إلا بموافقة إسرائيل. ثانيا لا يمكنهم حتى أن يحددوا مكان هذه الدولة الفلسطينية ولا يمكنهم أن يحددوا من سيحكمها.) وأعتقد روبيو أن السبب الثالث هو أن ذلك المؤتمر (يؤدي إلى نتائج عكسية) وعد أن (حماس ستجد في هذا المؤتمر تأييدا لها) الأمر الذي سيجعلها تتعنت أكثر، وتعرقل أي اتفاق لوقف النار. ورأى وزير الخارجية الأمريكي (من يقول أنه سيعترف بالدولة الفلسطينية يقف إلى جانب حماس ويعيق تحرير الرهائن ويعقد الوصول إلى حل). وأكد روبيو أنه تجاه كل هؤلاء (هناك الولايات المتحدة الناجية من عدم الإحساس السائد.) وشرح كيف قامت الولايات المتحدة بالمبادرة تلو المبادرة لوقف النار. وذكر أن بلاده فعلت أكثر من أي جهة من حيث توفير التمويل اللازم للإغاثة الإنسانية في غزة. وأنه ليس هناك إلا أمريكا تعمل من أجل حل عملي وناجح للصراع. أما هذا المؤتمر، فهو حسب روبيو، (غير ذي صلة). كذلك أوضحت الناطقة باسم الخارجية الأمريكية أن هذا المؤتمر (غير مثمر، ويأتي في توقيت غير مناسب بشأن حل الدولتين. وهو مجرد “حيلة دعائية” تأتي في خضم جهود دبلوماسية حساسة لأنهاء الصراع. والولايات المتحدة ستواصل جهودها الحقيقية لأنهاء القتال. وسيظل تركيزنا على الدبلوماسية الجادة، وليس على المؤتمرات المعدة سلفا التي تهدف فقط إلى “التظاهر بالأهمية”) إذن أمريكا ضد المؤتمر. بل وصفته بالحيلة الدعائية الهادفة للتظاهر بالأهمية، والخشية من بذل واشنطن جهودها لعرقلة قرارات هذا المؤتمر. والغريب أن ترامب لم يهاجم المؤتمر علنا وبوضوح.
ليس الموقف الأمريكي بعدم المشاركة في العمل من أجل حل الدولتين مخيب للأمال فقط. بل هو صادم أيضا لأنه يتضمن إمكانية عرقلة هذا الحل. والصادم أكثر أن واشنطن وبموازاة انعقاد المؤتمر، أصدرت عقوبات بحق السلطة الفلسطينية بدعوى أنها تشارك في أنشطة تعيق الحل، منها اللجوء إلى الجنائية الدولية، ومنها السعي لحل الدولتين. كما أن الرئيس ترامب هدد برفع التعرفة الجمركية تجاه كندا إن أعلنت اعترافها بالدولة الفلسطينية. وبذلك بدأت واشنطن بشكل عملي معاقبة من يؤيد هذا الحل. ويبدو أنها تعمل وفق الرؤية التي تقول أن مثل هذا الحل (الدولتين) لم يعد له أي إمكانية تحقيق على أرض الواقع. فالكنيسيت الإسرائيلي كان أصدر قرارا بعدم قبول قيام دولة فلسطينية. والمستوطنون من جهتهم اجتاحوا الضفة الغربية بمستوطناتهم، والسفير الأمريكي في إسرائيل رأى أنه (يمكن اقتطاع دولة للفلسطينيين من أراضي دولة مسلمة تقبل استضافتهم) يعني مفاد قول السفير الأميركي يقول للفلسطينيين (لا أرض لكم في فلسطين، ولا حق لكم في أرضكم. روحوا اقيموا دولتكم بعيدا عن إسرائيل)، أن السفير الأميركي في إسرائيل يقوم باستلاب الحقوق التاريخية الوطنية للشعب الفلسطيني!!
مؤتمر حل الدولتين شارك فيه 140 دولة بينهم معظم الدول الأعضاء في مجلس الأمن. وطرح الحل الذي يضمن أمن واستقرار الإسرائيليين والفلسطينيين والمنطقة برمتها. أي أن العالم يريد حل الدولتين بالدبلوماسية، بينما إسرائيل تعمل على تغيير (تشويه) وجه الشرق الاوسط كله، بالقوة والحديد والنار، وأمريكا تقف وراها ومعها بإعلان رفضها لهذا المؤتمر وما يطرحه حول حل الدولتين. وبذلك تعلن واشنطن للجميع أن (الأمر لي. . من قبل ومن بعد)، وهذا ما يحتم على دول المنطقة والعالم البحث عن سياسات تعالج وتستجيب لمواقف واشنطن، حيث لا بد من إيجاد مخرج من تعنت استراتيجيات الدولتين: أمريكا وإسرائيل تجاه الاستقرار الحقيقي في المنطقة والعالم.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة