وثيقة “حماس″ هل تكون افضل حظا من “وثيقة” منظمة التحرير التي قادت الى اتفاقات أوسلو والاعتراف بإسرائيل

سيكتب الكثيرون تحليلات وقراءات تتناول وثيقة حركة حماس الجديدة الذي اعلنها السيد خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي اليوم الاثنين في الدوحة، والمتغيرات في السياسات التي تضمنتها، لكن ما يهمنا نحن النظر الى هذه الوثيقة من ثلاث زوايا رئيسية:

الأول: الجهة التي يراد تقديمها اليها، والضغوط التي أدت الى إصدارها بالشكل الحالي، إقليميا ودوليا، مضافا الى ذلك التعديلات التي تضمنتها، وجاء بمثابة الغاء غير مباشر لميثاق الحركة، وهل سترضى هذه الجهات بـالجرعة” الحالية؟

الثاني: هل ستكون النقاط الـ42 التي تضمنتها هذه الوثيقة نهائية، ام انها ستكون مقدمة لتعديلات أخرى في المستقبل القريب بشكل مباشر او غير مباشر؟

الثالث: هل هناك اتفاق اجماعي بين اجنحة الحركة على بنود هذه الوثيقة، والجناح العسكري (القسام) على وجه الخصوص؟

هناك مدرستان تسودان الشارع الفلسطيني فيما يتعلق بهذه الوثيقة، الأولى واقعية تقول انها تتعاطى بلغة عصرية مع التطورات العربية والدولية، وتريد إيجاد منهاج عمل ينفي الاتهامات الموجهة للحركة من حيث كونها معادية للسامية، وحركة “إرهابية”، مرجعيتها جماعة “الاخوان المسلمين” المحظورة في عدد من الدول العربية، وهذا ما يفسر البند الذي يقول “ان الصراع في فلسطين ليس دينيا، وانها لا تعادي اليهود بسبب دينهم وانما بسبب احتلالهم لفلسطين والقبول بدولة مرحلية في الضفة والقطاع عاصمتها القدس الشريف، مع الاحتفاظ بكل الثوابت الفلسطينية، مثل مبدأ تحرير كل فلسطين، واستمرار الكفاح المسلح الى جانب أساليب أخرى للمقاومة، وتجديد التمسك بحق العودة.

اما المدرسة الثانية فترى ان هذه الوثيقة تعيد التذكير بتنازلات منظمة التحرير، وتمهد للسير نحو المفاوضات، والاعتراف بإسرائيل (الوثيقة رفضت هذا الاعتراف)، ويتساءل أصحابها بأنه اذا كان هدف حركة حماس هو السير على نهج المنظمة، فبماذا تختلف عن الرئيس محمود عباس؟ ولماذا تعرّض قطاع غزة لثلاثة حروب منذ تولي حركة “حماس″ الحكم فيه منذ عام 2007؟

اذا عدنا الى ارث منظمة التحرير الفلسطينية، ومسلسل تنازلاتها، يمكن ان نؤرخ لهذه التنازلات بالنقاط العشر التي اعلنتها عام 1974، وبالتحديد بعد حرب أكتوبر عام 1973 التي نصت صراحة على إقامة دولة فلسطينية على أي ارض يتم تحريرها من العدو الإسرائيلي، ثم تطور الامر الى الاعتراف بقرار مجلس الامن الدولي 242 الذي يحصر الحق الفلسطيني في مناطق محتلة عام 1967، وتطور الامر الى اتفاقات أوسلو وبقية القصة معروفة.

نتذكر جيدا مهرجان الفرح، وتبادل العناق والتهاني، ورقصات الدبكة، التي عمت قصر الصنوبر في احد ضواحي العاصمة الجزائرية، بعد اعلان وثيقة الاستقلال التي اشرف على صياغتها في صورتها النهائية الشاعر الكبير محمود درويش، والمفكر ادوارد سعيد عام 1988، وهي الوثيقة التي أعلنت الاستقلال وقيام دولة فلسطين “الوهمية”، وسط اهتمام اعلامي دولي تمثل في حضور اكثر من الف صحافي.

وثيقة الاستقلال تلك تطورت الى اتفاقات أوسلو، ونبذ العنف (الكفاح المسلح)، والاعتراف بإسرائيل، والتفاوض على “صيغة متفق عليها” لعودة اللاجئين، والبدء في حكم ذاتي في غزة واريحا.

اتفاق أوسلو جاء انقاذا لقيادة منظمة التحرير واخراجها من عزلتها السياسية، وجفاف مواردها المالية بعد غزو الجيش العراقي للكويت، وانتهى الامر بالمنظمة الى تأسيس قوات “دايتون” والتنسيق الأمني لحماية المستوطنين الإسرائيليين الذين تضخم عددهم الى 800 الف مستوطن في الضفة والقدس المحتلة منذ توقيع الاتفاقات المذكورة آنفا، واغتيال الرئيس ياسر عرفات مسموما بعد حصاره لاشهر في المقاطعة لانه فجر الانتفاضة الثانية المسلحة.

من يتابع شرح السيد مشعل لوثيقة حماس يجد تشابها كبيرا بينه وبين شرح الرئيس عرفات للنقاط العشر، ووثيقة الاستقلال، أي عدم التفريط بأي شبر من ارض فلسطين او حق العودة، او الكفاح المسلح، الذي حُشر بصيغة فضفاضة تتحدث عن اتباع كل اشكال المقاومة، ولا نعرف كيف سيكون عليه الحال بعد بضعة سنوات، حال الوثيقة وحال حركة “حماس″، وحال الشعب الفلسطيني.

كاتب هذه السطور، عضو مخضرم في المجلس الوطني الفلسطيني، عايش تطورات القضية الفلسطينية في لحظاتها الصعبة، ويعيش في الغرب منذ 40 عاما، ويدعي انه يعرف هذا الغرب وحيله واساليبه وضغوطه وأهدافه النهائية، وهي تكريس إسرائيل قوة عظمى في المنطقة، ونصرتها ومواقفها دائما.

من خلال هذه الخبرة والمتابعة هناك عدة نقاط أساسية نجد لزاما علينا التأكيد عليها :

الأولى: لا يمكن قبول إسرائيل والغرب بقيام دولة فلسطينية مرحلية على حدود الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967، دون الاعتراف الكامل بدولة إسرائيل، ونبذ العنف (الكفاح المسلح)، والتنازل “عمليا” عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين.

الثانية: لا يمكن اسقاط تهمة الإرهاب، وفتح قنوات الحوار كاملة مع حركة “حماس″، او أي تنظيم فلسطيني آخر من قبل الغرب، الا بعد التخلي كليا عن مبدأ الكفاح المسلح، وتسليم السلاح

الثالثة: القبول بمبدأ التفاوض المباشر مع الإسرائيليين بعد الاعتراف بدولتهم، وكل القرارات الدولية، والاتفاقات الموقعة بما فيها اتفاقات أوسلو.

وبناء على ما تقدم يمكن القول، ان عملية “التجويع″ والحصار التي تمارس حاليا على مليوني فلسطيني في قطاع غزة، واغلاق المعبر، وخصم الثلث من الرواتب وقطع الكهرباء، كلها إجراءات مدروسة بعناية وتذكرنا بالحالة المماثلة لكوادر منظمة التحرير لتسويق اتفاقات أوسلو.

الإسرائيليون وداعموهم من الأوروبيين والامريكيين سيرقصون فرحا بصدور هذه الوثيقة، ولكنهم سيقولون انها ليست كافية ولا بد من طلب المزيد، والمزيد هو الاعتراف ونبذ الإرهاب، وتسليم السلاح.

ندرك جيدا ان حركة “حماس″ تتعرض لضغوط هائلة من حلفائها في قطر وتركيا تطالبها بالمرونة، وقرأنا تصريحات ادلى وزير الخارجية التركي جاويش اوغلو يؤكد في جلسة مغلقة في نادي الصحافة بواشنطن ان حكومته ضغطت على حركة حماس للاعتراف بإسرائيل، والقبول بحل الدولتين والقاء السلاح، واقر مسؤول كبير في الحركة بذلك وقال ان الحركة رفضت هذه المطالب.

لا نعتقد ان توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق الذي كان من ابرز المشاركين في الحرب على العراق وليبيا والمحرضين عليهما، ولعب دورا كبيرا من خلال زياراته الى الدوحة وغزة، في بلورة بعض مبادئ هذه الوثيقة يريد الخير للشعب الفلسطيني او لحركة حماس، وكل تحركاته كانت تصب في مصلحة إسرائيل وسياساتها الاستيطانية، وهو المعروف بصداقته لنتنياهو.

هزيمة جيش احمد الشقيري ونظامه العربي عام 1967، جاء بياسر عرفات زعيما لمنظمة التحرير عبر بندقيته المقاومة، و”اعتدال فتح” ووتوقع اتفاقات أوسلو خلق فراغا ملأته حركة حماس الإسلامية المقاومة (بضم الميم) ترى من سيملأ أي فراغ قد ينجم على “براغماتية” حركة “حماس″، وجماعة “الصليب الأحمر” داخلها، على حد وصف احد المتشددين فيها، الذين يقفون خلف هذه الوثيقة وضغطوا باتجاهها؟

رهان اهل الضفة والقطاع ينصّب على جناح “القسام” العسكري الذي يعتبرونه الضمانة بعدم انزلاق “الحركة” نحو طريق منظمة التحرير “السلمي”، الذي لم يعط أي ثمار غير الإحباط والهزيمة، فهل يكون رهانهم في محله؟ الكثيرون واثقون من ذلك.

ليس من قبيل الصدفة ان تطلق حركة حماس وثيقتها قبل يومين من زيارة الرئيس عباس لواشنطن، وهي زيارة ربما تمهد لمصائب كبرى للشعب الفلسطيني، انها مرحلة حرجة ومفصلية، وكان الله في عون الشعب الفلسطيني.

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى