وردة حمودة …
كنت أمشي وزوجي مأخوذين بالحديث ليلفت نظري إلى شيء مكوم على طرف الرصيف .. لم أستطع تمييز هذا الشيء بسبب الظلام الدامس .. فالساعة قد تجاوزت العاشرة والكهرباء مقطوعة .. اقتربت من الشيء فاذا به طفل صغير يغفو وهو جالس .. نكزته وأيقظته ليبتعد عن الشارع قبل أن يقع وتدهسه سيارة … وفتحت معه حديثاً.
كان حمودة طفلاً لم يتجاوز عمره السبع سنوات .. حلبي مهجر .. رث الثياب .. وسخ الوجه .. يأتي يومياً من مخيم المهجرين مشياً على قدميه ليشتري الورد ويبيعه .. يتحدث بفخر عن وروده .. التي يعطرها ويلمعها .. وكيف أنه يربح ضعف سعرها أحياناً …خاصة عندما يبيعها لعاشق أو عاشقة .. ويدّخر مبلغاً ليعود به مساءاً إلى المخيم بسيارة أجرة…
وأكد لي أنه يذهب صباحاً إلى المدرسة ويتعلم … وبعد الدوام يذهب للعمل ليعيل والدته المطلقة وأخوته الصغار الأربعة … فاجأتني جرأته وشخصيته وهو مازال طفلاً صغيراً ..
لكن لم تفاجئني الحالة المزرية التي وصل أطفالنا إليها … فبدل أن يمسك الطفل لعبة . . يمسك بالنقود ويعدها .. وبدل أن يشتري الشوكولاته ليستمتع بها .. يشتري الورد ليبيعه .. وبدل أن يلعب مع أطفال من عمره في الساحات .. يناطح عالم الكبار ليحمي نفسه من تجار المخدرات والأعضاء والدعارة .. وبدل من أن يحلم بالمستقبل الذي يصير فيه طبيباً أو مهندساً أو فناناً يحلم بكم النقود التي سيقدمها لأمه آخر اليوم لتطعم بها صغارها.
حمودة هو أطفال سوريا الذين دهست آلات الحرب طفولتهم .. وشوه العنف والظلم والذل أحلامهم .. ودمر التطرف والطائفية مستقبلهم …
حمودة هو نتيجة حرب .. وهو ضحية حقد … وهو غصة في حلقنا .. ووجع في قلوبنا .. هو جيل تحطم .. وحلم تدمر …
أوصلته إلى المخيم بعد أن أعطيته مساعدة .. وطلبت منه أن يعدني بألا يتأخر ليلا في العودة الى بيته كيلا يتعرض للخطف والسرقة .. ولكن ماذا بعد ؟؟؟!!!!! والى متى .. ؟؟!!
وفي بلدي اليوم الآلاف من حمودة ينتشرون في الشوارع .. ومع كل يوم جديد تستمر فيه هذه الحرب العبثية الوسخة … يزيدون بالمئات .. ويخسرون طفولتهم .. يزداد التشرد والتسول والأمية والحقد ..
ما زال حمودة بريئاً يبيع الورد … لم تلوثه قذارة الواقع أنه ولد في زمن الحرب ودفع ثمن واقع لم يختره .. ولكن حمودة هو مشروع متسول .. مجرم .. حاقد … فمن ينقذ حمودة من مستقبل أسود مجهول ؟؟؟
ومن ينقذ أطفال سوريا من حرب تدمر طفولتهم ومستقبلهم ..؟؟؟
سؤال برسم الانسانية ..