ورشة عمل الدراما السورية 2022: مآخذ على الحوار، والبناء على الأفكار الجديدة.
خاص
لا يمكن تصور حجم المشاكل التي تعاني منها صناعة الدراما السورية التلفزيونية ، لكن المتتبع لأحاديث العاملين في هذه الصناعة ومعاناتهم يكتشف أنهم يتحدثون عن تفاصيل بسيطة يمكن حلها، رغم أنها شائكة، وقد وعد رئيس الحكومة السورية المهندس حسين عرنوس بحلّها أو الشروع بحلها فور وصول توصيات ورشة العمل إليه .
وعلى الرغم من أن عناوين محاور النقاش في الورشة مهمة وحساسة ، ويجمعها عنوان رئيسي يقول : الدراما السورية.. صناعة فكر ومسؤولية مجتمعية، فإن صانعي الدراما لم يدخلوا في عمق الرؤية المطروحة، فلا تحدثوا عنها كصناعة فكر يبحثون عن مرتكزاته، ولا عن المسؤولية المجتمعية التي عليهم حملها.
بل إنهم لم يدققوا في مداخلة الدكتور بطرس حلاق وزير الإعلام المعمقة في فهم هذه الصناعة، وتأكيده أن الورشة خطوة أولى يجب أن تعقبها اجتماعات ورشات عمل للوصول إلى آلية للعمل الدرامي ليصبح صناعة ووضع استراتيجية نحدد من خلالها ماذا نريد من الدراما.
ما الذي حصل في ورشة العمل، وأين اتجهت مداخلات بعض المشاركين من صانعيها؟ إن أول ما يؤخذ عليهم أنهم لم يحددوا الصيغة المثلى التي تمثل وجهة نظرهم، وبالتالي ذهبت مداخلاتهم إلى تفاصيل إجرائية يمكن حلها فعلا من خلال اجتماع مصغر مع الجهات المسؤولة، فتحسين الإجراءات الإدارية وآليات عمل الرقابة لا تعني أن هناك طموحا للنهوض بهذه الصناعة ، بل هي شكاوى ومعاناة مع الجهات الإدارية .. مجرد شكاوى.
كان هناك وجهات نظر هامة سواء اتفقنا معها أو اختلفنا معها، لكنها غير مركزة ، فضفاضة، كمداخلات الفنانين عباس النوري والطاهر ماملي وفراس ابراهيم، وكانت هناك وجهات نظر مقتضبة للجيل الجديد لكنها واضحة ينبغي الوقوف عندها كمداخلة موفق عماد الدين، وكان هناك وجهات نظر ارتجالية شخصية لبعض المنتجين..
الذي حصل في ورشة الدراما هو غياب فعاليات هامة من فنانين ومنتجين بل إن بعض من حضر الافتتاح غاب عند انعقاد الجلسة الأولى إلى الدرجة التي جعلت الوزير ينبه إلى غيابهم ويعلن أن الورشة ستسمر سواء حضروا أم غابوا .
وكما هو واضح فإن الجهات الوصائية غير راضية عن المحتوى الدرامي، أو أنها تتحفظ على بعض ما أنتج وخاصة في رمضان الماضي، وهذا التحفظ لم يثر ردود واضحة من الجهات الإنتاجية، وعلى نحو أدق كانت الجهات المعنية بالتحفظ غائبة، وحل بديلاً منها جهات إنتاجية تتصدر الإنتاج المحلي الداخلي ولا تقدم سوية فنية عالية قادرة على منافسة الإنتاج المهاجر أو ذاك الذي يغزو الأسواق على أساس تشاركي برأس مال غير محلي وإمكانات فنية ونجوم محليين .
أول الأسس التي أعتقد أن من الضروري الوقوف عندها، هو المحتوى الدرامي، والمحتوى في هذا الصدد مرهون بحالتين، الأولى هي المسؤولية المجتمعية للفن كضرورة مع التأكيد على رفض (فن البروباغندا)، والسعي إلى عكس الطموحات المتعلقة بمستقبل الإنسان السوري، وبالتالي تحصين رسالته الإنسانية.
إن صناعة المحتوى واحدة من أهم مرتكزات الدراما، وهنا نقول إن سوق النص الدرامي مرهونة بنوع من الشللية ، وتراجع مهارات الكتابة، والبناء على التلقائية في انتقاء النصوص من قبل كوادر غير مختصة وبالتالي فقدان النص العظيم والكاتب الجديد (الكبير).
وتشغل مسألة المحتوى الدرامي جميع الأطراف، وأخطر مافيها أن السوق الخارجية تختلف عن السوق الداخلية في نوعية محتوى النص المطلوب للإنتاج، وفي كلا الحالتين يغيب الفن الإنساني الذي يتوخاه المشاهد العربي والسوري وتحل البروباغندا مكانه. ولابد من الانتباه إلى أن ثمة عولمة وعصر جديد يغزو السينما والميديا ووسائل التواصل يحاول نقل الفن والأدب والإعلام إلى عصر التفاهة والأمثلة كثيرة.
الثانية هي مسألة السوق، وهي مسألة تعيدنا إلى مفهوم السلعة والجودة والتنافس ومساحة السوق الحقيقية للمنتج الدرامي، هل هو سوق داخلي، أم خارجي، فإذا نجح المنتج الدرامي في تعاطيه مع السوق الداخلي بمرتكزات فنية ومحتوى مفتوح متقدم، كسب الرهان على السوق الخارجي، وهذا ما حصل في مراحل سابقة من تاريخ صناعة الدراما، وما يجري هو العكس.
السوق الداخلي كما هو معروف مغلق، غير قادر على تدوير رأس المالي، ويجعل الجهات المنتجة في حالة عجز يصل بها إلى التوقف، لذلك يطلب المنتجون من الدولة حمل تكاليف إنتاجهم، وهذا صعب.
ولكسر هذه الحالة ثمة حلول إنتاجية أبرزها على صعيد الإنتاج الخاص:
- فتح المجال أمام محطات فضائية خاصة تمكن دورة رأس المال من الدوران، وثمة حكاية لهذا الموضوع (هجرة شبكة محطات لنا إلى بيروت)،وما ترتب على ذلك من أعباء في العملة الصعبة وإضاعة فرص العمل للكادر السوري.
- كذلك إغلاق باب التراخيص، علما أن وزير الإعلام الأسبق رامز ترجمان أشار في تصريح له قبل سنوات بقرب الترخيص لخمس أو ست محطات، ثم توقف ذلك مع استبداله. وقد رد وزير الإعلام الدكتور حلاق في الورشة على هذه الفكرة بأن قانون الإعلام الجديد يفتح المجال لذلك وثمة ترحيب.
- إطلاق مبدأ التشاركية في الإنتاج الدرامي، وهذا ما برز في وجهة نظر الورشة نفسها، وللتشاركية إيجابيات وسلبيات .
- تسهيل عودة الفنان السوري المهاجر، وهو عنصر فعال من عناصر صناعة الدراما والاستفادة من نجومية كثيرين ممن هاجروا .
أما على صعيد الإنتاج الرسمي، فيتطلب الأمر :
- اعتماد استراتيجية جديدة للإنتاج الدرامي للقطاع العام ووضع محددات تناسب مرحلة ما بعد الحرب وإعادة بناء الذائقة الفنية للأجيال الجديدة التي أتخمت بالعنف والحرب .
- إطلاق عمل مديرية الإنتاج الدرامي في التلفزيون العربي السوري، وتقديم الدعم الكامل لها لتصبح طرفا منافساً في العملية الانتاجية، وتلبي الحاجة إلى عروض جديدة يفتقدها البث اليومي.
- زيادة الدعم للمؤسسة العامة للإنتاج الدرامي، وإسقاط حسابات التجربة السابقة لها التي قامت على ارتجالية تأمين فرص العمل فانحدرت السوية الفنية لها، إلى الدرجة التي غدا فيها إنتاج مديرية الإنتاج الدرامي في التلفزيون تاريخيا أقوى وأشد فعالية من الانتاج الجديد ، وقد أضعف هذا شرعية إحداث المؤسسة.
- تحذير من أن اعتماد الجهات الرسمية على مخرجين وفنانين من الصف الثاني الثالث والرابع بحجة توفير التكاليف، لابد أن يؤدي إلى عدم جدوى في المنافسة .