وزارة الثقافة السورية : عيد ميلاد الوزارة العجوز !..
دمشق- احتفلت وزارة الثقافة السورية بعيد ميلادها..
احتفلت دون أن يبتهج المثقفون بهذا العيد، لا لشيء وإنما لأن المثقفين السوريين يعتقدون أن الوزارة لا علاقة لها بالثقافة وغير قادرة على تأدية المهام التي تليق بطموحاتهم وقد أصيبت بالعجز باكرا، لذلك لم يحضروا ولم يبتهجوا ولا قدموا لها باقة ورد، رغم أنها تستمر بأداء المهام الاعتيادية كوزارة رسمية بكامل هيبتها تدفع رواتب موظفيها بعد خمس سنوات من الحرب التي نالت من مؤسساتها ومتاحفها وتحفها وجزء كبير من بنيتها التحتية ..
ربما لانجد بين المثقفين من يهتم بتاريخ تأسيس الوزارة ((23/11/1958))، أي عيد ميلادها، وفي الأجيال الجديدة منهم هناك من لا يعرف أن هذا التاريخ مرتبط حكما بالوحدة بين سورية ومصر، عندما تشكلت الجمهورية العربية المتحدة، وقامت وزارة الثقافة والإرشاد القومي في الإقليمين الشمالي والجنوبي، ولذلك ظل اسمها المشترك مستمرا منذ التأسيس إلى أن ألغت الحكومة السورية لازمة ((الإرشاد القومي)) بعد انفصام عرى الوحدة السورية المصرية ..
والحديث عن نأي المثقفين عن وزارتهم ليس افتراء، وإنما هو واقع معروف يقر فيه حتى المعنيون في الوزارة، وربما يكون سببه ((سوء تفاهم بين المثقفين أنفسهم على دور الثقافة في الحياة العامة والهامش المتاح لحركتهم وأفكارهم وعلى علاقتها بالسياسة ومكاسبها )) أو ((شعور المثقف بالغربة وعدم الاهتمام به))، وقد جعلته هذه الغربة وسوء التفاهم يفاجأ أكثر من مرة بهزات صعبة ومدمرة في المجتمع لم يفهم دوره فيها، بدأت بالانفصال نفسه الذي ألغى دولة الوحدة مع مصر، وكان آخرها الزلزال الكبير ((2011)) الذي سببته الحرب على السوريين وبين بعضهم البعض، فيما هو ــ أي المثقف ــ غير قادر على الفعل، ويجهل أحيانا أن دوره الحقيقي هام جدا وعليه أن يمارسه، أو ــ وهنا الطامة الكبرى ــ يجهل أنه متورط في حرب لاطائل منها !
آخر وزير للثقافة في سورية ((السيد عصام خليل)) هو شاعر، ومحامي، ليس عجوزا، له ((سيرة ذاتية)) ثقافية حافلة، وعلاقات طيبة مع زملائه الشعراء والكتاب والصحفيين، تراجعت عند وصوله إلى الوزارة، لأسباب كثيرة ..
مع اندلاع الأزمة في سورية برز الشاعر/ الوزير عصام خليل كمحلل سياسي، وكان شفافا وجريئا، ثم صار عضوا في مجلس الشعب ((2012)) ثم وزيرا شابا لوزارة عجوز ! لم يجد الوزير الشاب ما يفعله للوزارة العجوز، في عيد ميلادها الثامن والخمسين، إلا تقديم مكتبة موسيقية لكل مركز ثقافي تابع لها، وكثير من المراكز كانت كلفت الدولة مئات الملايين من الليرات ، ولايرتادها إلا عدد قليل من المواطنين إلا أثناء مهرجانات الخطابة .. لا أحد يعرف هل ستصل هذه الهدية إلى كل المراكز، هل ستصل مثلا إلى مراكز الرقة أو إدلب والمدن المنسية أو درعا أو دوما أو إلى دار الأسد للثقافة في مدينة ((الطبقة)) ؟!
هذه الدار هي واحدة من أجمل المنشآت العامة قرب سد الفرات وقد دمرتها ((داعش)) وحولتها إلى ركام فوق الكتب وأجهزة المسرح والسينما ورسومات الأطفال وبقايا ذاكرة غنية لنشاط لافت جمع أبناء ((الطبقة)) بكل تلاوينهم ..
وسكان مدينة الطبقة، أو الثورة كما صار اسمها، تجمعوا من كل أنحاء سورية ((خليطا رائعا)) ليبنوا سد الفرات العظيم، فنجحوا وأحبوا البقاء بجواره بعد أن انتهت مهمتهم، إلى أن سيطرت عليه ((داعش)) وحطت فيه الرحال دون خوف من ضخامته كمنشأة كهرمائية تغذي سورية !
الهوية الثقافية السورية هي الشمعة الوحيدة المحروقة على قالب ((الكاتو)) الذي لم تضعه الوزارة العجوز في عيد ميلادها، محروقة لأن المثقفين غير موحدين على مصير وطنهم، مشتتون.. لاصوت حقيقيا لهم: منهم من يتزنر بحزام المقولات الجاهزة عن الوطن والتاريخ والشعارات القديمة، ومنهم من أضاعوا الثقافة وربما يضيعون حتى الوطن، ومنهم من يختالون بتصريحاتهم التي فرطت بكل شيء من أجل وهم ((الديمقراطية))، فرطوا حتى بذكرياتهم وحواراتهم التي جمعتهم في شوارع ومقاهي والمراكز الثقافية في سورية وذهبوا إلى شوارع ومقاهي باريس واستنبول وغيرها..
وما يلفت النظر في الحديث عن شكل الاحتفالية المعممة في عيد ميلاد الوزارة العجوز هو اتساع التسميات وعجزها عن أداء أي دور في وقت واحد: ((عروض سينمائية – ومسرحيات للكبار والصغار – وندوات ثقافية وتاريخية وأثرية وموسيقية.. إضافة إلى مهرجان شعري.. ومعرض للكتاب والتراث والفن التشكيلي.. كذلك افتتاح نواة مكتبة موسيقية في كل مركز ثقافي، وسوف يكون هناك جلسات استماع للموسيقا. وهذه هدية من الأستاذ عصام خليل وزير الثقافة..)) ..
هكذا تحتفل وزارة الثقافة السورية العجوز بعيد ميلادها الثامن والخمسين، فهل يبادر المثقفون ((جميعا)) إلى الإعداد جيدا ومتحدين متكاتفين لإحياء الثقافة الوطنية التنويرية قبل أن يحل عيد ميلاد الوزارة الستين، ويعلن المجتمع أنها بلغت سن التقاعد، ولم نعد بحاجة إليها ؟!