وصلت إلى الستين : لا تخبروا أحدا !

أنا لا أخاف من الموت، هكذا أشعر، ورغم ذلك قد أكون في قمة حالات الهلع عندما أموت، لا أعرف ! والمثير في قضية الخوف من الموت هو الوصول إلى النهاية، والنهاية في حياة الإنسان تغلق أمامه الاحتمالات، فإذا كان مؤمنا فهو بانتظار الحساب بين يدي الخالق، وإذا كان ملحدا، فهو بانتظار التحول إلى تراب. والطرفان لابد ويخافان من الموت !

كان عمري ثلاثين عاما عندما كتبت تلك الصفحة من المذكرات المخيفة، وعنوانها: (( تحدث الميتان ذات فجر!)) ، وهي موجودة عندي، ولا أريد أن أنقل منها شيئا، فالفكرة التي انتابتني عندها هي أنه ليس ثمة فرق بين الموت في الثلاثين أو في الأربعين أو حتى في التسعين، وحسبت المسألة بالنسبة لمن ماتوا، وسألت نفسي ماذا خسروا؟ فإذا بهم لم يخسروا شيئا لو أنهم ظلوا أحياء مثلي !

وعلى هذا الأساس كتبت: (( تحدث الميتان ذات فجر!)) ، والغريب أنني وبعد عدة أشهر، ودون أن أنتبه لما يجري في أعماقي، كتبت سلسلة قصص عنوانها ((وماهو بميت))، وبطلها اسمه وضاح وهو شاب يحب رياضة الجري، أي كان عداء ، وفي كل قصة كان يموت، لكنه كان يتجدد فيما يفعله !

يا الله !

لم أكن أتوقع أن أعيش إلى الستين، ها أنا أنجزت الستين عاما من عمري . أي عشت أكثر من أبي، وأكثر من أخي الأكبر، وآخر سؤال طرحه علي أخي الذي توفي بعد جريمة اغتيال الحريري في 14 شباط 2005 : هل يمكن أن تشن حرب على سورية تحت هذه الحجة ؟!

ومات قبل أن يعرف الجواب !

ولو أنه ظل حيا لشاهد بأم عينه ما الذي جرى .

ترى ما الذي جرى ؟!

دمرت سورية لغير ذلك السبب. ودمر البيت الذي كان يعيش فيه أخي في جوبر، أي أنه كان سيعيش مهجرا لأنه لم يكن قادرا على حل مشكلة من هذا النوع . وربما كان قتل أو أصيب أو تورط بعمل مع جهة ما .. لا أعرف. الذي أعرفه أن الله أعفاه من كل هذه الدوامة : أعفاه من أن يسمع كل هذه الجعجعة بلا طحن التي تجري من حولنا..

ضحكت .

لقد كنت سعيدا بمسائل كثيرة حتى أثناء الحرب . وكثيرون يعرفون أنني كنت على مقربة من ثلاث حالات لسيارات مفخخة تفجرت في دمشق، وإحدى هذه السيارات رمتني مع أصدقائي عدة أمتار فوق بعضنا البعض، ولم نمت ..

وعلى صعيد قذائف الهاون.. أحاق الخطر بي مرات كثيرة، ومرة سقطت القذيفة فوق سيارة العمومي الصفراء التي خلف سيارتي في ساحة النجمة بدمشق ونجوت رغم أن سيارتي ارتفعت عن الأرض عدة سنتيمترات، فلم أصب بشيء حتى أن زجاج سيارتي لم يصب بأذى لأنه كان مفتوحا ..

المهم ، ربما أموت على فراشي كخالد بن الوليد ، وهذه بسيطة، ولن أردد ما قاله هو، بل سأطرح السؤال نفسه، ذاك السؤال الذي طرحته على نفسي قبل ثلاثين عاما في صفحة اليوميات : تحدث الميتان ذات فجر. ولا أخفيكم أنني أخاف كثيرا من أعود فأكتب قصصا بعنوان ((وماهو بميت)) ، ولكن هذه المرة بمضمون الآية الكريمة في القرآن الكريم : (( من وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ . يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ. وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ” (ص)

لاتخبروا أحدا أرجوكم !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى