وضاعت حكاية «العرّاب» في دهاليز الدراما السورية
ليست المرّة الأولى التي تقتبس فيها الدراما العربيّة روايةً أو فيلماً أجنبيّاً، لكنّها أبت إلا أن تعرّج على إحدى الروائع الراسخة في ذاكرة الملايين حول العالم، بمسلسلين عوضاً عن مسلسل واحد. هكذا، يتنافس عملان على تقديم نسخة معرّبة من تحفة روائيّة وسينمائيّة مثل «العرّاب» (ماريو بوزو، فرانسيس فورد كوبولا). تقاسمت الشاشات العربية مسلسلين سوريين هما «العراب» (كتابة حازم سليمان، إخراج المثنى صبح، إنتاج «سما الفن»)، و «نادي الشرق» (كتابة رافي وهبي، إخراج حاتم علي، إنتاج «كلاكيت») ليتنافس كل منهما على استقطاب كبار النجوم، والمزايدة في «ضخامة الانتاج». أمام كاميرا صبح، يتقاسم البطولة سلوم حداد بدور العرّاب، ورفيق علي أحمد، وسلافة معمار، ونسرين طافش، وعبد المنعم عمايري، إلى جانب المغنّي عاصي الحلاني في أولى تجاربه التمثيليّة. وأمام كاميرا علي، يقف جمال سليمان بدور العرّاب، وباسل خيّاط، وباسم ياخور، وسمر سامي، وأمل بشوشة، وسلمى المصري…
واجه المشروعان مطبّات عدّة، منذ إعلان الشركتين المنتجتين نيّتهما خوص المغامرة قبل أشهر. في حالة «العرّاب»، انسحب عدد من الممثلين منه قبل البدء بتنفيذه، كما تعذّر تصوير بعض مشاهده في إيطاليا، ليواصل المخرج العمل بين لبنان وسوريا سعياً لإنجاز ستين حلقة على جزءين. أمّا «نادي الشرق»، فقد اضطر أصحابه لتغيير عنوانه من «سفينة نوح» خشية إثارة ضجة دينية حيال الأمر. ولم يحسم بعد قرار إنجاز جزء ثان منه، إذ ترك منتجوه الأمر للنتيجة التي يحققها العرض في الموسم الرمضاني.
تكشف الحلقات الأولى من المسلسلين عن تباين في النص والحوارات في محاولة لإسقاط الفكرة الأساسية للفيلم على الواقع السوري. وبدا السيناريو في «العرّاب» وفياً ولو بالشكل لرواية ماريو بوزو، ليفتتح أول مشاهده بلقطة مطابقة للفيلم، بالإضافة إلى التطابق بين شخصيات الأب وأبنائه الثلاثة في نسخة المثنى صبح والنسخة الأصليّة. ومع توالي الحلقات، تتشتّت الحوارات، ويضيع المشاهد في تفاصيل القصة التي تفقد الكثير من قوّة الحبكة الدرامية للشريط السينمائي الشهير.
يذهب «نادي الشرق» إلى مكان آخر، من خلال الانفصال السريع عن الرواية والفيلم. يتحوّل فيتو كورليوني، إلى المعلّم أبو عليا المنذر، الزعيم الريفي المتنفذ في سوريا وصاحب السلطة الواسعة التي يستفيد منها أفراد العائلة. يعاونه في ذلك ابنه قيصر (باسم ياخور)، فيما يبتعد الابن الثاني جاد (باسل خيّاط) عن خيوط اللعبة. في المقابل، تظهر شخصيات نسائية في مواقع قوّة، بصراعاتها الخاصّة، مثل عليا (أمل بشوشة) وسوزان (دانا مارديني). تعمّد الكاتب إظهار الطابع السوري للعمل، فأغرقه بحوارات تنظيرية مملّة للغاية، عن الانفتاح الاقتصادي والتحول إلى اقتصاد السوق الاجتماعي، وعودة المغتربين، والتلميحات إلى فترة زمنيّة قريبة شهدتها سوريا، ليتحوّل المسلسل إلى ما يشبه ندوة حواريَّة من مسلسل درامي. تلك الإسقاطات تبدو غائبة في «العراب»، إذ لا زمان ولا مكان محددين للحكاية.
ظهر أداء الممثِّلين متفاوتاً لمصلحة «نادي الشرق»، لينجح جمال سليمان في التخلّص من عباءة أدوار سابقة للرجل صاحب السلطة والنفوذ الذي يطلب الجميع رضاه كما في «ذكريات الزمن القادم» أو «حدائق الشيطان»، ليقدّم أداءً لافتاً أقرب إلى شخصية الأب منه إلى شخصيّة الزعيم. ينسحب الأمر على باقي الممثلين مثل دانا مارديني وسمر سامي. في المقابل، وقع بعض ممثلي «العراب» في مطب التخبط. فبينما يقدِّم سلوم حداد ورفيق علي أحمد وعبد المنعم عمايري أدوارهم بأسلوب لافت غير مفاجئ بالنسبة لممثلين على ذلك القدر من الاحترافيّة والتمرّس، لا يبدو عاصي الحلاني مقنعاً في تجربته التمثيلية الأولى، إذ ظهر كمبتدئ يحفظ الدور ويلقيه أمام المشاهدين، على الرغم من أن الاهتمام الواضح به منذ انضمامه إلى فريق العمل، ليشكل رافعة أساسية لتسويق المسلسل قبل عرضه.
صحيفة السفير اللبنانية