.. وضاعت سوريا (علي سالم)

 

علي سالم

آسف، لم أكن أنا الذى أضاعها، أنا فقط من أعلن لك الخبر الذى تود إخفاءه عن نفسك. فى تقديرى أنها ضاعت لمائة عام مقبلة على الأقل، ستمر فى الأنهار مياه كثيرة قبل أن تعود سوريا بلداً. هى الآن منطقة قتل، من الواضح أن عدداً كبيراً من جيوش المنطقة وغيرها قد تبرّع للمحاربين هناك بكل ما تبقى فى مخازنها من أسلحة الحرب الثانية، الحداثة ليس لها أهمية فى هذا النوع من القتال، المهم أنها فعالة وقادرة على قتل الناس. أما النظام فيبدو أنه كان مستعداً لهذه المعارك، لابد أنه حلم ذات ليلة من ليالى دمشق الصافية بأنه يقتل شعبه لذلك استعد لقدوم ذلك اليوم.
أليس من الغريب ومن الجنون أيضاً أن الرجل يحتفظ بكمية من الأسلحة الكيماوية قادرة على قتل شعوب هذه المنطقة بأكملها لثلاثين مرة على الأقل. انظر معى إلى الوراء، لا تبتعد كثيراً، انظر إلى بدايات الحرب بين النظام وبين المعارضة، قوات الأسد تهاجم المعارضة بهدف القضاء عليها، والمعارضة تعمل على القضاء على قوات الأسد لحماية نفسها.
هذا النوع من المعارك ليس فى حاجة إلى جنرالات وحتى ضباط من رتب أصغر، لكى نعرف أن الصراع بينهما فى نهاية الأمر سيتحول إلى من سيقتل الآخر بعدد أكبر. الهدف المنسى كان هو الوصول إلى السلطة، هذا هو هدف المعارضة، وكان الدفاع عنها هو هدف قوات النظام. ولم نر تكتيكاً يؤدى إلى ذلك، الجهتان تحولتا إلى قتلة، كل المعارك لم توصل طرفاً من الأطراف إلى موقع يقربه من هدفه، أوضح ما شهدناه كانت الطائرات وهى تضرب الناس فى البيوت (حد عارف بقى إذا كانوا معارضة ولاّ ناس عاديين؟)، فشعرنا جميعاً بالاشمئزار من هذه السلطة التى تضرب الناس بالطيران فى بيوتها، وعلى الفور وقفنا مساندين ومتعاطفين مع المعارضة، وبعدها شاهدنا وشاهد العالم معنا أحد الثوار المعارضين وهو يأكل قلب أسير. فعرف سكان الأرض أن الحرب الدائرة على أرض سوريا تدور بين طرفين من الوحوش، على الأقل طرف منهم ليس نباتياً، وأن كلاً منهما يستحق ما يحدث له. ولكن الضحية- وهى الشعب السورى- لا تستحق ما يحدث لها.
غير أن رجال السياسة حريصون دائماً على إيهام الناس بأنه توجد دائماً فرصة للخروج بحل مريح لكل الأطراف للمشكلة، هكذا سمعنا هذه الأيام عن «جنيف 2»، كل الأطراف أو معظمها ستلتقى هناك برعاية قادة العالم للوصول إلى حل سلمى، أنا أعتقد أن أقصى ما يستطيعون الوصول إليه هو إحالة الموضوع بأكمله إلى «جنيف 5»، ثم عمل الصياغة النهائية فى «جنيف 7»، إلا إذا اعترضت روسيا بقوة وأصرت على أن يكون ذلك فى «جنيف 8».
مهما كان الاتفاق الذى ستصل إليه الأطراف فإنه توجد حقائق على الأرض تجعل المذبحة مستمرة إلى أن يقضى الله أمراً كان مفعولاً. هذه الجماعات المسلحة من سوريا وغيرها، لن تترك السلاح، ولن تنسى تلك اللحظات الحلوة التى كانت طلقات الرصاص فيها تنطلق بضغطة واحدة على الزناد، فتسقط أجساد الأعداء وخاصة الكفار منهم، نازفة على الأرض.
غير أنى أتكلم عن مصر، لم تعد الحالة السورية بعيدة عنا، الجنون بدأ يزحف على عقولنا أيضاً، منذ شهور طويلة وجَّهتُ نداءات على هذه الجريدة، وجرائد أخرى خارج مصر، أطلب من كل قادة الشارع فى مصر عدم النزول إلى الشارع فى هدنة لمدة ثلاثة شهور، لكى يستعيد المجتمع ومؤسساته عافيته، ولم يهتم أحد حتى ولو بالتعليق على ذلك. والآن.. أرجو من كل الأطراف ليس أن تفكر فيما خسرته، بل أن تفكر فيما سنخسره نحن جميعاً بإصرارنا على استعادة ما خسرناه الآن وفوراً. أنا أطالب بهدنة من كل قادة الشارع فى مصر.. تعالوا نبدأ بالتفكير فى شىء واحد الآن هو: كيف نبتعد بمصر عن الحالة السورية؟


صحيفة المصري اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى