وعد بلفور.. قصاصة سلب فلسطين
قبل تسع وتسعين سنة، أي سنة 1917، وضعت بريطانيا حجر الأساس رسمياً لبناء دولة لليهود الصهاينة على أرض فلسطين. كان الأمر مجرد قصاصة ورقة من شخص إلى شخص، وتحوّل إلى دولة لغرباء على أنقاض السكان الأصليين.
في 2 نوفمبر 1917 أرسل وزير الخارجية البريطاني آنذاك آرثر جيمس بلفور إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. واللافت أن الشخص الذي أرسلت إليه الرسالة لم يكن يشغل أي منصب رسمي، بل أرسلت إليه باعتباره كان المسؤول عن فرع عائلة روتشيلد اليهودية في إنجلترا، وهي أسرة مصرفية ألمانية الأصل.
وكان روتشيلد أول يهـودي في البرلمان الإنجليزي، وزعيم الطائفة اليهودية الإنجليزية. صحيح أن مخطط الحركة الصهيونية للاستيطان في فلسطين بدأ أواخر القرن التاسع عشر حيث كانت البلاد ترزح تحت الاستعمار البريطاني، لكن وعد بلفور كان الوثيقة الرسمية الأولى من دولة كبرى تمنح الصهاينة دولة على أرض فلسطين، وكان ذلك بالمعنى القانوني والسياسي «وعداً ممن لا يملك لمن لا يستحق».
لم يكن الوعد، إذاً، نبتاً بلفورياً مفاجئاً، إنما في سياق مخطط دولي يتجاوز بريطانيا التي كانت وفرنسا تجريان مفاوضات بدون علم الآخرين، لاقتسام المنطقة فيما سمي لاحقاً باتفاقية سايكس ـ بيكو التي وقعت في العام 1916، أي قبل وعد بلفور بأشهر.
جدل قانوني
وبالرغم من أي جدل قانوني أو سياسي، كان وعد بلفور بمثابة الخطوة الأولى للغرب على طريق إقامة كيان لليهود على أرض فلسطين، استجابة مع رغبات الصهيونية العالمية التي وظّفت المحارق النازية لصالح مشروعها، على حساب الشعب الفلسطيني المتجذر في أرضه منذ آلاف السنين.
الشعب الذي لم يستسلم للوعود والقرارات البريطانية وخطوات الأمر الواقع التي فرضتها الحركة الصهيونية وعصاباتها المسلّحة. وخاض الشعب الفلسطيني ثورات متلاحقة، كان أولها ثورة البراق عام 1929، ثم تلتها ثورة 1936-1939، قبل أن يصل المخطط إلى نهاية فصل تاريخي بحدوث نكبة 1948، وبدء فصل جديد من مخطط اغتصاب فلسطين وما تلاها من ظهور حركات قومية عربية رافضة لمشروع اغتصاب فلسطين، دون أن يرقى فعلها إلى مستوى القدرة على وقف المخطط.
توجّه أوسع
المسار العملي للأحداث بعد الوعد عبّر عن نفسه بمنحنى سياسي عملي لا يستند إلى مسوّغ قانوني، بحسب خبراء القانون لا يمثّل وعد بلفور معاهدة وليس له أية قيمة قانونية باعتبار أنه يمنح أرضاً لم تكن لبريطانيا أية رابطة قانونية بها.
كما أن طرف التعاقد مع بريطانيا في هذا الوعد هو شخص وليس دولة، شخص أرسل خطاباً إلى شخص لا يتمتع بصفة التعاقد وهو روتشيلد، فيم حين أن مضمون الوعد فاقد للشرعية باعتباره يفضي إلى طرد شعب من دياره، وهذا ما لا تقره مبادئ الأخلاق ولا يبيحه القانون.
و حين صدر الوعد كان تعداد اليهود في فلسطين لا يزيد على 5% من مجموع عدد السكان. وقد أرسلت الرسالة قبل شهر من احتلال الجيش البريطاني فلسطين. وبعد ذلك تتابعت الهجرة اليهودية من شتى أقطار العالم، وانصهرت في بوتقة اليهودية أكثر من سبعين جنسية. وفي عام 1948 ارتفع عدد اليهود من خمسين ألف مهاجر إلى ستمائة وخمسين ألفاً، ثم تتابعت الهجرات من كل أنحاء العالم.
نظرة أعلى
في نظرة من أعلى على المشهد يتّضح أن وعد بلفور ليس أول ولا آخر موقف يتواطأ مع الصهاينة كحركة سياسية وليس كطائفة دينية. إنه مجرد حلقة في مسلسل. وحين تراجع نفوذ بريطانيا في المنطقة، وجد الصهاينة في أميركا الحليف الذي يغدق عليهم الوعود وينفّذها و يضمن تفوقهم العسكري والأمني، ويغطي كل الجرائم التي ترتكب بحق الفلسطينيين يومياً وعلى مرأى من العالم.
نص «الوعد»
وزارة الخارجية في الثاني من نوفمبر سنة 1917 عزيزي اللورد روتشيلد يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته: «إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر». وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح. المخلص: آرثر جيمس بلفور
صحيفة البيان الأماراتية