تحليلات سياسيةسلايد

وقائع من جولة جنيف «الدستورية»: تطوّر في الشكل… ومراوحة في المضمون

وصل أعضاء اللجنة الدستورية السورية إلى جنيف مطلع الأسبوع الماضي، حاملين معهم بعض الحاجيّات، خصوصاً الآتين من دمشق، وذلك تلبيةً لطلبات أعضاء آخرين يقيمون خارج البلاد، وهو ما حدث للمرّة الأولى خلال اجتماعات اللجنة التي بلغت جولتها السادسة حتى الآن، وعُدّ مؤشّراً إلى تطوّر العلاقات الاجتماعية بين الأعضاء. تطوّرٌ أمكن لمسُه أيضاً، بشكل واضح، في غرف الاستراحة وبين أشواط الجلسات، حيث كانت الوفود سابقاً تنقسم تماماً بحسب تصنيفها، بينما شهدت هذه الجلسة لقاءات تخلّلها تَشارُك شرب القهوة وتناول الطعام، خارج القاعات الرسمية التي كانت ساحة صراع سرديّات في معظم الأوقات. بدأت الاجتماعات بشكل ثُنائي مساء الأحد، بين أحمد الكزبري ممثّل الحكومة السورية، وهادي البحرة ممثّل المعارضة، لوضع مخطّط الجلسات ومحاورها، التي كثيراً ما تغيّرت، قبل أن تستقرّ على 4 أوراق رئيسة تقريباً. وبينما قدّم الوفد الحكومي ورقة «سيادة الدولة»، طرحت المعارضة ورقة «إصلاح الأمن والجيش»، واقترح وفد المجتمع المدني ورقتَين منفصلتَين: الأولى للقادمين من دمشق تحت عنوان «التطرّف ومكافحة الإرهاب»، والثانية للقادمين من الخارج حول «سيادة القانون والعدالة الانتقالية والمجتمع المدني»، علماً أن بعض أعضاء الوفد المدني لم يدعم أيّاً من الورقتَين.

استهلك الاتفاق على المنهجيّة معظم ليل الأحد الذي سبق الاجتماعات. ومع بداية يوم الاثنين، انتهت الجلسة الأولى بتثبيت المنهجية. وفي جلسة ما بعد الظهر، قدّم وفد الحكومة ورقته، فطلبت المعارضة أخْذ وقتها لقراءتها، على اعتبار أنها تلقّتها في وقت متأخر. لاحقاً، استُؤنف الاجتماع بكثير من المداخلات الخارجة عن الموضوع، حيث استغرق الحديث السياسي نصف الوقت، والنقاش خارج سياق المراجعة الدستورية غالبية النصف الآخر، بينما تَركّز النقاش، في الوقت القصير الباقي، حول المحتوى من زاوية دستوريّة، وهو بالمناسبة تطوّر إيجابي عن الجلسات السابقة. وانسحب الأمر على ورقة المعارضة وورقتَي المجتمع المدني في الأيام الأخرى، بسيناريوات متشابهة تقريباً. وفي اليوم الثالث للقاءات، استيقظت الوفود على تفجير دمشق وقصف إدلب، لكن ما بدا لافتاً هو الميل إلى استيعاب الحدثَين من قِبَل الرئيسين المشتَرَكين، اللذين افتتحا الجلسة المتأخّرة يومها بخطاب فيه إصرار على الاستمرار، وأسفٌ

كان واضحاً في الأوراق المقدّمة حجم استعانة معدّيها بموادّ من دستور 1950، ومن دستور 2012، إضافة إلى مواد من وحي الاتفاقيات الدولية حول حقوق الإنسان، والتي كان الخلاف حولها شديداً جداً. وبينما بدت النقاشات أقلّ حدّية، بدأت تظهر البنود التي يمكن اعتبارها محلّ توافق بين الأطراف، وظهرت الأمور وكأن الجولة ذاهبة في نهايتها إلى القول: «اتفقنا على كذا وكذا..». وفي المشهد أيضاً، كان الحضور الروسي واضحاً جدّاً وعلنياً، ورافقته لقاءات مع مختلف الكتل الممثّلة للجنة الدستورية، حيث اجتمع المبعوث الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتيف، مع كلّ وفد بشكل منفصل، وأعرب لأعضائه عن الدعم الروسي لاستمرار عمل اللجنة، من دون تدخّلات خارجية. وفي غضون ذلك، كانت المعلومات القادمة من كواليس الأمم المتحدة، بحسب مصدر أممي تحدّث إلى «الأخبار»، تشير إلى «رغبة دولية واضحة في الخروج بحدّ أدنى من التوافقات في هذه الجولة، حتى لا تُطرح أيّ تساؤلات حول جدوى اجتماع الدستورية، وهو ما كان محلّ قلق للجانب الروسي أيضاً». لكن الأجواء الإيجابية لم تكن لتثمر نتائج في ظلّ عصف الخلافات الجوهرية – والتي لا علاقة لها بالنقاش الدستوري – بأجواء اللقاءات، فكان الصراع حول «السرديات» متقدّماً على الخلاف حول المحتوى الدستوري، ليتكرّر سيناريو الجلسات السابقة، حيث أرادت الحكومة نقاشاً في الخطوط العريضة والمبادئ العامة التي يمكن من خلالها صياغة بنود الدستور، بينما كانت المعارضة ترغب في المُضيّ في كتابة البنود مباشرة.

يلخّص أحد أعضاء اللجنة الدستورية، الذي تحدّث إلى «الأخبار» مفضّلاً عدم الكشف عن اسمه، فشل الجلسة بـ«عدم الارتكاز على التوافقات، إنّما التمسّك بمبدأ: إمّا نتّفق على كلّ شيء أو لا نتّفق على شيء، ومحاولة تحميل اللجنة أكبر من دورها». ويطرح المصدر مثالاً من خلال الأوراق التي قُدّمت، فيقول: «كلّ طرف يعرف أن هناك فقرة متوافقاً عليها قام بطرحها، ولكن حمّلها 3 أفكار أخرى غير متوافق عليها، فشوّه الفكرة وجعلها خارج حالة التوافق، بينما بدا استخدام المصطلحات أهمّ من الأطر العامّة، واستمرّ الصراع على السردية حول العملية التي نقوم بها، وسببها وإلى أين سنصل بها»، مضيفاً أن «المشكلة بين أعضاء اللجنة ليست حول المحتوى الدستوري، وهذا لا يُلغي وجود تقدّم وحالة إيجابية، وأن العملية من الممكن أن تصل في النهاية إلى نتائج، لكن بهذه الطريقة ستحتاج وقتاً طويلاً جداً، وترفاً لا تملكه سوريا». من جهتها، عبّرت الأمم المتحدة صراحة عن عدم رضاها عن نتائج الاجتماع، وذلك في تصريحات للمبعوث الأممي غير بيدرسون، الذي اعتبر أن ما انتهت إليه الجولة «خيبة أمل كبيرة»، قائلاً: «لم نُحقّق ما كنّا نأمل في تحقيقه»، بينما علمت «الأخبار» من مصادر مواكبة لمسار «الدستورية» أن الكزبري والبحرة «عبّرا في اجتماع ضمّ مندوبي الأمم المتحدة عن عدم إعجابهما بالمنهجية المتّبعة في عمل اللجنة»، وهو ما توافق عليه معظم الأطراف المشاركين، بِمَن فيهم الأمم المتحدة، إلّا أن تغيير المنهجية من شأنه أن يُؤخّر تحديد موعد الاجتماع المقبل، خصوصاً بعد الفشل في تثبيت موعد الاجتماعَين القادمَين، واللذين كان هناك شبه توافق على أن يكونا في الشهرَين المقبلين تِباعاً، قبل أن يتلاشى التوافق، وتنتهي الجولة السابقة من دون تحديد خطوة تالية.

 

 

صحيفة الاخبار البنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى