وقاحة أحلامي وسمو تفسيرها!
انتبهتُ إلى المسألة منذ وقت طويل، فالأحلام صورتنا التي نحاول التدقيق فيها طويلا لكي نعرف معناها ورسائلها، وكان حلمي الأول الذي لا يمكن أن أنساه يتعلق بالموت، فقد كنت أمضي الصيف في القرية مع أهلي ، وكان يدور من حولي حديث عن حساب الموتى وعقابهم في القبر، وعندما نمت في ظلام القرية الحالك تلك الليلة، شاهدت حلما ظهرت فيه الملائكة، وهي ترتدي أثوابا بيضاء، وتقول لي: لا علاقة لك بالأمر، لا تحزن، فالله يحبك!
ويوما بعد يوم صارت الأحلام هاجسي، ولم تعد أحاديث القبور تشغلني، فأنا أقرأ بنهم عن الأحلام وعن التحليل النفسي والتفاسير، وجمعت ملخصات وملاحظات وأقوالا حول الموضوع، ثم دوّنت بعضا من أحلامي وعددا من أحلام الآخرين ، ثم حاولت تفسيرها وفقا لما جمعت من وجهات نظر مختلف المدارس، لكن انشغالي بالتحليل النفسي شغلني عن الباقي !
الذي حصل مؤخرا أدهشني، وجعلني أتجه لاستعادة الكثير مما قرأت، والقصة بدأت بتفصيل بسيط مع صديقة عزيزة أحترمها وتحترمني، فأنا أعتقد أن من واجبي تقديم المرأة على نفسي للدخول إلى أي مكان نتجه إليه معا، ويحصل هذا حتى مع الرجال، فأدعوهم للدخول قبلي احتراما لهم، ومثل هذه العادات لها علاقة بالتربية واحترام الآخرين ..
مرة انتبهت إلى تردد صديقتي في الدخول قبلي، ومع تكرار هذا التردد أخذني الظن إلى أن هناك مشكلة ما قد أكون أنا سببها، بل ولاحظت أيضا أن صديقتي عندما تدخل قبلي بحكم إلحاحي تحاول أن تُبقي وجهها ملتفتا إلي، وكأنها تراقب نظراتي..
رحت أتساءل عن سر مايحصل، وذهبت بي الأفكار بعيدا، وأولها عدم الثقة بي، والخوف من نظرات خبيثة أسترق بها النظر إلى جسدها من الخلف، أو أن هناك عقدة نقص تسيطر على صديقتي تتعلق بمظهرها الخلفي الذي قد تظنه غير متجانس!
وصديقتي، كما حاكيت نفسي، جذابة يعرف الآخرون أسرار جمالها دون صعوبة، فهي بشوشة الوجه، طرية العود، ناعمة، تصفف شعرها لتبدو أكثر أناقة ، وترتدي الجديد من الثياب بين حين وآخر لتبدو أكثر بساطة، ومن جهة جسدها فهي مكتنزة مثيرة تغطي أناقتها وبساطتها على جزء كبير من إثارتها..
وهنا راودني الشك: فصديقتي تثق بي، ولا تخاف من نظراتي، لذلك لم يبق إلا عقدة نقص سببها عيب في مؤخرة جسدها تخشى اكتشافها!
تراجعت هواجسي حول هذه المشكلة شهورا، وبخاصة بعد أن صرت أبادر إلى المشي أمامها وعدم الإلحاح على تفضيلها في الدخول، إلى أن هاجمني الحلم ليضعني أمام هواجس تفسير الأحلام من جديد، وكنت قد قرأت قصاصة بين أوراقي عن تفسير العري عند ابن سيرين ، فعندما تشاهد جسدك أمام الناس عاريا ، فهذا يعني أنك تثق بنفسك!
في تلك الليلة، كان يجب أن أنام باكرا لأن عليّ واجبات كثيرة ومواعيد عمل من بينها موعد مع صديقتي التي أتحدث عنها، فنمت، وفي نومي ظهرت صديقتي بحركة لم أشاهدها من قبل في أي لوحة للنساء العاريات المعروفة في العالم!
طرقتُ باب غرفة كانت مفتوحة النوافذ. فسمعت صوتها :
ــ أدخل .. أعرف أنك ستأتي!
كانت تقف في أعلى درجات سلم صغير يواجه مكتبة مليئة بالكتب تشبه مكتبتي، وقالت لي:
ــ تفضل، تفضل، لحظة وأنتهي .
دخلتُ، رأيتُها تدير ظهرها إليّ، وترتدي ثوبا ليلكيا واسعا يغطي جسدها إلى أسفل الركبتين، فتبدو فيه كراقصة من القوقاز لم تشرع برقصها بعد، وسألتُ نفسي: “لماذا ارتدت هذا الثوب الزاهي؟ ولماذا ذهب الخوف عنها؟! “.
كانت تتابع ترتيب الكتب ولاتبالي بوجودي.. وفجأة هبّ الهواء شديدا من نوافذ الغرفة. تماما كفيلم سينمائي أُعدّ جيدا. ارتفع ثوبها الليلكي الواسع فكشف عن النصف الأسفل من جسدها، وكأن الراقصة شرعت برقص أسطوري.. ظهر ساقاها كلاعبة تنس بيضاء، وظهرت مؤخرتها مرسومة بعناية ودقة وحيوية، ويغطيها ثوب داخلي أسود يناقض بياض جسدها، فوجدت نفسي أقول : ياسبحان الخالق!!
وكان الهواء يعبث بالثوب، فيأخذه ثم يعيده، ومع كل حركة تتغير تفاصيل اللوحة الساحرة، وتتغير ملامح وجهي، وكأن الحلم يرسم تفاصيله من خلالها !
توقعت أن تُعيد صديقتي الثوب إلى مكانه لتخفي جسدها، فلم تفعل.. تركت الأمور تمضي إلى لانهاية، و قالت بصوت واثق :
ــ ينبغي أن لا تُحمّلني المسؤولية، فليس هناك عقدة نقص عندي . لقد تربيت على أن أحترم جسدي فأحميه من الآخرين وبخاصة عندما يقتحمون أنوثتي بوقاحة عيونهم..
أردت أن أدافع عن نفسي. لم أستطع .. كانت لوحةٌ آسرة ترتسم في لعبة الهواء والثوب، فتجعلني متهما وتجعل عينيّ تقتحمان أنوثة صديقتي بوقاحة الحلم الذي يحتاج إلى تفسير !