
أخطر ظاهرة تتوالد الآن مع مستجدات الحالة السورية، هي مواقف النخب الثقافية والاجتماعية والسياسية مما يجري، وهي تلقائيا تنعكس على المحيط العربي، وخاصة اللبناني!
والنخب، كما قالت لي أمي ذات يوم، هي انتخاب الأفضل بين الثمار لبيعه بسعر أعلى، فالفلاح ينتخب ثمار بستانه ويميز الأفضل منها ليبيعه في السوق بسعر أعلى!
وفي الذكاء الصناعي: “انتخب” تعني اختار وانتقى واصطفى شيئًا أو شخصًا من بين مجموعة، وأخذ أفضل ما فيه أو خياره الأفضل، وكأنه ينتزعه منها، وهذا الشرح للمعنى موجود في المعاجم، ويعني هذا أن الذكاء الصناعي لم يخترعها، لأنها موجودة، ففي معجم المعاني نقرأ: نخَب الشّيءَ :أخذ أحسَنه وأفضلَه ، أَخَذَ نُخْبَتَهُ أَيْ مَا هُوَ مُخْتَارٌ مِنْهُ بِعِنَايَةٍ.
ومن غرائب النخب عندنا أن بعضهم يباعون في سوق التحريض بسعر بخس، وأحيانا مجانا، وهذه مصيبة حضارية، فإذا كنتم الأفضل في عرف اللغة والمجتمع والسوق، فلماذا تقعون في شرك الفتنة، وعندها ماذا يفعل الآخرون من عامة الشعب؟!
الشعب السوري هو المستهدف، بوجوده وكيانه وحضارته ووحدته، ولايمكن التفريق بين صفوفه، بين هذا المكون أو ذاك، بين هذه المنطقة أو تلك، وعندما يقع الحدث يفترض أن نبحث عن التحليل من خلال هذه القاعدة، لنفوت الفرصة على من يستهدفنا.
وأنا خلال السنة الماضية دققت في مواقف الكثيرين ممن عرفت عنهم الوعي والنضج وإدعاء المواقف الوطنية، فإذا بأغلب هؤلاء يقعون في شرك الفتن التي ترسم للسوريين، فالسوريون لايريدون الحرب، لايريدون الدم، وليس في صالح أحد منهم أن يحصل أي صدع في الوحدة الوطنية، وبالتالي لايمكن أبدا لأي مكون سوري أن يخطط للحرب على مكون سوري، ولايمكن لأي فئة أو طائفة أو إثنية من التنوع السوري أن يسعى لضرب التعايش مع الآخرين، وهذا يعني أن الشعب أكثر وعياً من نخبه.
فما الذي تفعله بعض النحب، وخاصة من الذين أعرفهم وأعرف طبيعة البناء الثقافي والفكري الذي يشتغلون عليه؟
إنهم يتحصنون وراء مصائب تقع في المجتمع، فيتعاملون مع هذه المآسي من موقع الولاء الطائفي والفئوي، وينسون أن الشعب كله هو المستهدف، وأن عليهم تحديد العدو الرئيسي والعمل من أجل ضبط الخلل بكتاباتهم آرائهم وأنشطتهم!
لقد سقط شهداء كثيرون في سنوات الصراع السياسي التي مرت، وخُربت بيوت ومدن وقرى وصوامع كثيرة للعبادة، نتيجة الفتن التي وقعت، وارتكبت الأنظمة السابقة مجازر لاتعد ولاتحصى، وكان يمكن للشعب أن يتجه إلى حرب أهلية تايجة تلك السياسات، أو نتيجة سياسات القمع والبطش والتنكيل ولم يقع الشعب في تلك الحرب التي تأكل الأخضر واليابس، وأقول لكم بصراحة إن هناك متضررون من وحدة الشعب، وهناك أثرياء حرب ومنتفعون باستمرار الفتن، وبالتالي ينبغي أن نحدد طبيعة الموقف الذي نبني عليه من هؤلاء، وينبغي لأي موقف أن لايجيش هذه الفئة على تلك، وأن يسعى لتوطين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني وأن يشارك فيها بمسؤولية ، وأن يقرأ التفاصيل الدامية التي تواجهنا بعين الوعي الاجتماعي والسياسي، ويضع النقاط على الحروف، لكي لاتتكرر.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر



