وهكذا ينتعش «داعش»

ـ 1 ـ

… وماذا ستفعل صورة الفخور بسكينه التي ذبحت المرأة الكردية؟ أي مستقبل يبشّر به «الداعشي» حامل السكين والرأس المقطوع؟ أي طريق يرسمه بابتسامة النصر هذه؟ هل شعر الناس بالخوف؟ أم تراهم فتشوا عن مشاعرهم النائمة كتعاويذ قاتلة وفكّروا: أليس «الداعشي» أقرب لنا من المقتولة؟ أليس سنياً.. ويناصب الشيعة العداء؟
أسئلة الوجود كله تنفجر الآن.. فهي ليست حرباً واحدة.. إنها حروب شخصية، إذا دخلتها ستتصادم فيها كل الخرافات التي بُني عليها التوحّش الذي نختار بين أنواعه، لا التخلص منه.. فالتوحّش قرين الضعف والحياة المزدوجة بين «نرجسية» فخورة ببلاغتها الباحثة، وإذعان يرسم الحدود حسب مصالح دول كبرى؟ التوحّش هو فائض الفراغ بين (البلاغة) و(الواقع)، ذلك الفراغ الذي أصبح أكبر الآن من قدرات جمهوريات العرب وممالكهم… ومن قدرات منافسيهم في ملء الفراغ بكل ما هو قاتل…
مَن سيملأ الفراغ؟

ـ 2 ـ

الحروب هنا تمديد لسلطات عاجزة.
والرعب من «داعش» يصب في إعادة بناء الترسانات لسلطات تعرّضت للهجوم بعد خروج الناس طلباً للتغيير، الذي لم يكن طلباً إيدلوجياً ولا هوياتياً بل كان أقرب في تلقائيته إلى «طلب بناء دولة.. يشعرون فيها بإنسانية واحترام..».
السلطات المترنحة قاومت بكل شراسة وها هي تتلقف الحرب لتفعل مثلما فعلت في كل الحروب (هُزمت فيها أو انتصرت)، أي إلى ترسيخ مكانتها باعتبار هذه السلطة جسداً فوق «السياسة»، واستمرارها شرط الاستقرار والاستمرار والأزمان الجميلة…
متى كانت الأزمان العربية جميلة؟ البروباغندا تشير دائماً إلى زمن انتشاء البلاغة وصنّاعها، بينما الواقع يقول إننا خسرنا رهاناتنا يوم أن أصبح الانتماء للأنظمة هو علامة «المواطن الصالح» و«الثوري النبيل» وامتد ذلك إلى أن أصبح الانتماء إلى «زعيم» أو «حزب» أو «طائفة» هو المانع الحائل من التخوين واتهامات العمالة….
كانت السلطات تتضخّم باسم حربها على «الكيان العابر»: إسرائيل… بينما إسرائيل تستمر بقدرتها على اللعب في الفراغ سابق الذكر بين البلاغة والواقع… وعندما ذهب السادات إلى القدس لم يكن كسراً لهذا الفراغ ولكن لتمديده وترسيخ سلطته بتحريك القضية من هزيمة عسكرية إلى نصر أدى إلى معاهدة سلام… لم تسقط استخدام خطاب العداء لإسرائيل لكنها برّرت الإذعان لأميركا التي تمتلك، كما قال السادات، 99% من أوراق القضية.
بمعنى ما فإن السادات بقرار الحرب في أكتوبر بدأ طريقاً جديداً جعل فيه الإذعان لإرادة رسم حدود الدول وترسيم الأنظمة لا يتضاد أبداً مع البلاغة الهوياتية، حتى وإن تميّز السادات بخلطة مذهلة من بلاغة جمعت بين المصرية والعروبية والإسلاماتية، في خطاب واحد يجمع فيه بين «رئيس دولة على الموديل الأميركي» و«كبير عائلة» على غرار الممالك والإقطاعيات…
المذهل أن ظهور «داعش» هو ذروة المرحلة التي دشّنها السادات باعتباره «جامع هويات» وساحراً يمكنه أن يخرج «الهوية المناسبة في اللحظة المناسبة»، فهو «عروبي» لحظة الحرب وقرار قطع البترول، و«إسلامي» لحظة حرب أميركا وروسيا على أفغانستان… إلى آخر تلك الألعاب التي توارثها لاعبون أقل مهارة… ومن هذا التناسل بين البلاغة والإذعان وفي الفراغ المتسع بين النرجسية والبحث عن القوة في الماضي وُلد «داعش» الذي يتجمّع كل الآباء الذين اشتركوا فيه لقتله…

ـ 3 ـ

ليس غريباً هنا أن تخرج تظاهرات في دول عربية تؤيّد «داعش».
بل أن نصف الدول والأحزاب والتنظيمات التي ستحارب «داعش» أو حتى ترفض حربها ضد نصف آخر من التكوينات نفسها…
هذه حرب لن تنتهي قريباً، لأنها «حروب»… كل طرف فيها يحاول الحفاظ على «حدوده» ويتحالف مع عدو أو خصم من أجل الحفاظ على الخريطة… وهذا ما يربك الحسابات في كل خطوة، وينعش «داعش» بما تقترف «السلطات» من أجل استمرارها… والوهم الكبير أن الحرب ستنتهي لصالح «استمرار الوضع على ما هو عليه..» أو «تمهيد الأرض لمزيد من تمتين السلطات القائمة»… وهم لأن هذه النتيجة ستجعل الحرب بلا نهاية تقريباً…

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى