وتمضي الايام والسنين ويمضي مئة عام ونيف على منطقة الشرق الأوسط والوضع فيها من سيء إلى اسوأ منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية وبدء الحرب العالمية الأولى إلى يومنا هذا ، وشعوب واحوال وامور هذه المنطقة إلى الخراب .
هل سأل احد نفسه ما هذا السر الباتع الذي أوصل المنطقة إلى ماهي عليه الان ؟
احاول ان استعرض وفي عجالة تحليلاً سريعاً شاملاً بعض الشيء حول ماهي الأسباب التي كانت وراء تدهور الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية وحتى يومنا هذا، مسلطًا الضوء على القوى السياسية والتاريخية التي شكلت مصير هذه المنطقة.
كما سنسرتجع تاريخياً وسريعاً بعض الشيء كيف أثرت الأطماع الدولية، والتقسيمات الحدودية، والاستعمار، والتحديات الداخلية، والنزاعات المستمرة، والأيديولوجيات المختلفة على واقع الشرق الأوسط، وصولاً إلى وضعه الحالي.
فعند النظر إلى الأحداث التي شكلت منطقة الشرق الأوسط، نجد أن انهيار الإمبراطورية العثمانية في أوائل القرن العشرين كان حدثًا مفصليًا.
هذه الإمبراطورية التي حكمت معظم الأراضي العربية لعدة قرون كانت تمثل توازنًا دقيقًا للسلطة، وفي حين أنها لم تكن مثالية، إلا أنها كانت توفر نظامًا إداريًا واستقرارًا نسبيًا.
فتح انهيار الإمبراطورية الباب أمام القوى الاستعمارية الغربية – بريطانيا وفرنسا – التي سارعت إلى فرض سيطرتها عبر اتفاقيات سرية، مثل اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، لتقسيم الأراضي العربية ورسم حدود جديدة لا تراعي الأوضاع الاجتماعية والجغرافية القائمة.
مع نهاية الحرب العالمية الأولى وبدء الحقبة الاستعمارية، بدأت القوى الغربية بتأسيس دول جديدة ورسم حدود سياسية بدون الالتفات إلى المجموعات العرقية والطائفية القائمة، ما ولّد انقسامات داخلية وصراعات دموية بين الجماعات المحلية. كما أن اكتشاف النفط في أوائل القرن العشرين زاد من أطماع القوى الدولية؛ فقد أصبح الشرق الأوسط منطقة تنافس بين القوى الكبرى، وتم استغلال موارده الطبيعية بدون أن يستفيد سكانه منها. وأدى هذا الاستغلال إلى تفاقم التوترات المحلية مع تنامي الشعور بالقهر الاقتصادي.
في منتصف القرن العشرين، انتشرت أفكار القومية العربية، وبدأت دول مثل مصر وسوريا والعراق في تبني هذه الأفكار، التي تدعو إلى التحرر من الاستعمار وبناء هوية عربية موحدة. لكن هذه المحاولات لم تخلُ من الصراعات والتحديات الداخلية، حيث تم قمع المعارضين من الأقليات العرقية والدينية. ومع فشل الأنظمة القومية في تحقيق وعودها بالتنمية والرخاء، شهدت المنطقة صعود حركات إسلامية رأت أن الحل يكمن في العودة إلى القيم الإسلامية، ما زاد من الانقسام بين المجتمعات وأدخلها في صراعات داخلية.
في العقود الأخيرة، باتت منطقة الشرق الأوسط ساحة لصراعات إقليمية ودولية، حيث أصبحت دول كبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا تستخدم المنطقة لتحقيق مصالحها الخاصة. تدخلت القوى الأجنبية مرارًا لدعم حلفائها وفرض رؤيتها، مما أسفر عن حروب مدمرة في العراق وسوريا واليمن. كما أسهمت المنافسات بين القوى الإقليمية، مثل إيران والسعودية، في تأجيج الصراعات الطائفية وإذكاء النزاعات المسلحة.
إضافة إلى التدخلات الخارجية، تعاني بعض من دول الشرق الأوسط من تحديات داخلية كبيرة تتمثل في الفساد وضعف الحكومات وسوء الإدارة، مما أدى إلى تردي الأوضاع الاقتصادية وزيادة معدلات البطالة والفقر. كما أن الأنظمة الاستبدادية التي حكمت معظم هذه الدول منذ عقود، قيدت الحريات العامة وأدت إلى غياب المشاركة الشعبية في صنع القرار، مما فاقم الاحتقان الشعبي وأدى إلى موجات من الاحتجاجات والانفجارات الاجتماعية.
مثلت ثورات مايسمى بـ “الربيع العربي” التي انطلقت عام 2011 حدثًا مهمًا في تاريخ المنطقة، حيث طالبت الشعوب بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
ولكن، رغم الآمال التي كانت معقودة على هذه الثورات، إلا أن المطاف انتهى بالعديد من هذه الدول إلى الفوضى والنزاع الداخلي، مثلما حدث في سوريا وليبيا واليمن، حيث دخلت القوى الخارجية على الخط لدعم مصالحها مما زاد الوضع تعقيدًا وسوءاً وخرابا وعلى كل الصعد .
وأصبح جلياً انه وللخروج من هذه الدوامة، يجب على دول منطقة الشرق الأوسط السعي الحثيث لإيجاد حلول مستدامة ترتكز على بناء أنظمة سياسية تحترم التعددية وتحقق العدالة والمساواة بين جميع مكونات المجتمع (رغم استحالة الموضوع ) كما أن تحقيق التنمية الاقتصادية العادلة، وتعزيز التعاون الإقليمي، والحد من التدخلات الخارجية يمكن أن يسهم في بناء مستقبل أفضل.
إن تدهور الأوضاع في الشرق الأوسط منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية وحتى يومنا هذا هو نتيجة تراكمية لعوامل متعددة، تتداخل فيها قوى خارجية وأيديولوجيات متباينة وصراعات داخلية.
ورغم أن الوضع يبدو معقدًا، إلا أن الأمل في تحقيق التغيير يبقى قائمًا، إذا ما تبنت الشعوب والحكومات أسسًا جديدة ترتكز على الوحدة والتفاهم والسلام.
واخيرًا وليس آخراً نسترشد بقول الشاعر أبي البقاء الرندي :
هِيَ الأمُورُ كَمَا شَاهَدْتُهَا دُوَلٌ
مَنْ سَرَّهُ زَمَنٌ سَاءتْهُ أزْمَانُ
وهذهِ الدارُ لا تُبْقي على أحدٍ
ولا يدومُ على حالٍ لها شانُ
بوابة الشرق الأوسط الجديدة
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر