يا عمال العالم ” اتقوا الله”
عيد العمال، في الأول من أيار ـ مايو، من كل عام، ليس باليوم المبهج، دائما، رغم رمزيته في الاحتفاء بأصحاب الياقات الزرقاء والبيضاء، وجميع العاملين بالفكر والساعد في مختلف أنحاء العالم، ذلك أنه يحمل أسئلة ما تنفك تُطرح بين الحق والواجب في علاقة العمال بأرباب العمل، وحتى في أكثر الدول ديمقراطية، وحرصا على أن ” يُعطي الأجير أجره قبل أن يجف عرقه“.
ها هي السلطات الفرنسية، كانت قد أبدت خشيتها من تظاهرات عيد العمال، وما تشهده من مشاركة قوية للنقابات العمالية وما يمكن أن يصاحبها من أعمال شغب وعنف وتخريب، قد يتسبب فيها نحو 1500 من “بلاك بلوكس”، ومن عناصر متطرفة داخل حركة “السترات الصفراء”.
وتتحدث وسائل الإعلام الفرنسية عن رغبة ثلاثة أطراف، في استعراض قوتها وعرض مطالبها على الحكومة. فمن جهة تتواجد النقابات العمالية التي اعترف الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أخيراً، بأهميتها في ندوته الصحافية الأخيرة، بعد أن همَّشها في بداية حكمه، وأثناء قانون الشغل، الذي خرجت منه خاسرة ومُنهَكَة. وتريد النقابات أن تختبر قوتها، وخاصة نقابة “سي جي تي”، التي كانت الخاسر الأكبر في قانون إصلاح سكك الحديد، حيث فَقَدَت تصدُّرَها المشهد النقابي الفرنسي، لفائدة نقابة أكثر انفتاحا على مختلف الحكومات الفرنسية، وهي نقابة “سي إف دي تي”.
أمّا في العالم العربي فتتباين، وتتناوب عليه، فاعلية القوى العاملة بين التوق إلى التغيير ومناشدة ما هو أفضل، كما هو الشأن في الجزائر والسودان ضمن الحراك الشعبي الحاصل، وبين ما هو تمدد يصل حد التطاول والتهديد، كما هو الحال في تونس، البلد العربي الذي يفخر بوطنية وعراقة نضاله العمالي الذي أوصله حد ” الورطة” أثناء دولة الاستقلال.
الكفاح المطلبي يضيع في أتون المجاهل السياسية، وتمسي النقابات أشبه بالأحزاب، عندها تضيع البوصلة، وتضعف الدولة حين تتعرض للابتزاز باسم العمل النقابي المشروع فتغدو طرفا ضعيفا، ولا شغل تفعله غير الجلوس إلى طاولة التفاوض في عملية عض الأصابع وكسر السواعد.
” أيها العمّال افنوا العمر كدّا واجتهادا “، كان هذا مطلع قصيدة، للشاعر المصري ذي النسب الأرستقراطي، أحمد شوقي، وتدخلت نقابة العمال في تونس لإلغائها من مقرر التعليم الابتدائي، أواخر السبعينات. وسبق للاتحاد العام التونسي للشغل، نفسه، أن أجبر وزارة التربية، أثناء حكم الحبيب بورقيبة، على أن تمحو نصا للكاتب التونسي، الطاهر قيقة، من المناهج التعليمية يحمل عنوان ” بين سيد وعماله الكسالى” من كتابه المعنون ” نسور وضفادع “، والذي تأثر فيه بالتجربة الصينية التي تحث على تقديس العمل أثناء حكم ماو تسيتونغ.
مثل هذه المبادرات، قد تبهج قلوب المتحمسين للنضال العمالي، وتجعلهم يشعرون بنوع من نشوة الانتصار على ” الكمبرادورية”، المصطلح الماوي الذي دخل قاموس الماركسية، ويعني، في ما يعنيه، “الطبقة العميلة من خدمة البرجوازية وسماسرتها”.
التونسيون اليوم، وأمام تغول نقابات العمال، وذهابها بعيدا نحو شل عمل الدولة، وتعطيل مؤسساتها باسم الدفاع عن حقوق العمال، يتحسرون على رجل جعل من شعار حزبه يوما، الآية القائلة ” وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”، والذي كان اسمه الحبيب بورقيبة.
ما الذي تطلبه الشعوب غير العمل، وتقديس العمل، في دول فتية، أحوج إلى النهوض من كسلها، والتشمير على ساعد الكد بدل التراشق بعبارات الاتهام ورمي المسؤولية على أرباب العمل.
ليس أسهل من الركون إلى الشعارات والصراخات، عند الكسالى، من تقديس العمل لدى الشعوب التي قد ” ترشيها حكوماتها” باسم الدفاع عن العامل والمطالبة بمستحقاته.
العمل النقابي قد يكون فخا يُراد من خلاله تعطيل سلطة الدولة، والصب في مصالح جهات معادية.. وإلا فكيف نفسر إغلاق السكك الحديدية أمام قاطرات الفوسفات في تونس، مثلا، والإبقاء عل طريق الشاحنات التي تمتلكها جهات خاصة، ومتنفذة داخل النقابات نفسها؟
تونس تعطي مثالا صارخا على تغول “السلطة النقابية” رغم ما يحفظه التاريخ لها من نضالات ومكاسب، لكن كل ذلك أصبح نوعا من القوة المضادة لأي نمو وتطور اقتصادي، ذلك أن الإضراب صار سيفا مسلطا على رقبتها، وتلوح به الجماعات العمالية في كل مرة، بحق أو بغير حق.. ويخشى الجميع أن يدينه باسم الحق في التظاهر والاحتجاج ومشروعية العمل النقابي.
يشبه أحد المحللين موضوع غول النقابات في تونس بميليشيا حزب الله في لبنان.. ” باسم المقاومة نفعل ما نشاء، ونضعف الدولة، بل ونتفاوض مع الخارج باسمها”.