“يا مال الشام” على أرض الصين
دُعيت لحضور مخيم شتوي في منطقة “شي زو” حيث تتواجد واحدة من القوميات الصينية التي تسمى “توجيا”، تتميز تلك القومية برقصاتها المشابهة للحركات الزراعية والتي يؤدونها بشكل جماعي بطريقة مثيرة للإعجاب، وفيما كانوا يستعرضون رقصاتهم وأغانيهم الخاصة، طلبوا مني وضع أغنية من تراثنا السوري، بسرعة البرق حمّلت أغنية “يا مال الشام” من الإنترنت، وأرسلتها لهم فوضعوها على مكبرات الصوت.
للوهلة الأولى عندما سمعت “يامال الشام” ذاب كل مافي داخلي من ثلج،وكأن برودة العواطف التي جهدت على تجميعها طيلة الأعوام الماضية قد ذابت بحرارة “الشام” على أرض صينية. وفي الحقيقة لم أكن أتوقع هذا التفاعل من قبل الصينين الذين تمايلوا مع الأغنية وكأنهم مدربين على الرقصات الدمشقية، كنت أمشي بينهم وأصورهم،أحاول التأكد من ردات فعلهم فيما إذا كانوا بالفعل فرحين مثلي أم أنهم يحاولون مجاملتي، كانت ابتسامتي في أقصاها، وبصراحةتألمت في عظام الفكين مدة يوم كامل بعد هذه السعادة العارمة.
قد يكون هذا الشعور بالفرح على وقع أغنية سورية نسمعها في بلاد الغربة هو أقصى ما يمكن أن تقدمهاليوم بلادا كسوريا، حيث لم يتبقّ لنا إلا أن نبادلها شعور التسامحعلى كل ما عشناه من معاناة، ونمضي في طريقنا مخلصين لما نحبه، محاولين التعريف بما هو جميل في أرضنا، هو ما يشبهتماماشيخوخة آبائنا،فعندمايصلون إلى مرحلة الهرم ، ومهما كانوا قد أخطأوا في حقنا في سن الصغر، لن نملك من الحلول سوى تقديم العطف والمحبة، ومن ثم نمضي في طريقنامسامحين مدركين أن ما فعلاه هو أقصى ما عرفوه، فلا عتب ولا نقمة بين الأهل والمحبين.
أما اليوم فلا أملك اليوم من الشام سوى ذكرى حلو الزمان الذي قضيته فيها، وأعرف أنه مهما طال المطال لايمكن إلا أن أعاهد وأقطع الوعود فلا أنساها ولا تنساني.