يحكى أنّ…و”لازم يحكى “..
استبشرت خيرا حين قامت الروضة ذات التوجه الفرانكفوني في تونس والتي يرتادها طفلاي باستقدام شخص يتولّى تحفيظ القرآن الكريم ويصون الألسنة الصغيرة الطريّة من التخشّب والاعوجاج , حفاظا على لغة أحفاد ابن خلدون وبطرس البستاني وأبي القاسم الشابي .
كم كنت أطرب وهما يردّدان على مسامعنا في البيت ما تيسّر لهما من قصار السور في جوّ من البهجة والحبور … إلى أن جاء اليوم الذي لم أكن أتوقّعه فحوّل فرحي إلى سلسلة من التوجّس والاستياء ,, لقد امتنع ابني فجأة عن مسك القلم وكتابة وظيفته التي كلّفته بها آنسة الروضة دون مبرّر واضح , سألناه عن سبب ذلك فأجاب وهو يرتجف من الخوف ” لقد قال لي “سيدنا الشيخ الذي يعلمنا حفظ القرآن إنّ منن يكتتب أو يأكل بيده اليسرى يشاركه في ذلك الشيطان ..وأنا لا أتقن يا بابا الكتابة بيدي اليمنى فماذا أفعل ؟”.
نزل علينا حديثه كالصاعقة وممّا زاد من رعبنا أن شهيته للطعام قد خفّت كثيرا بسبب الحرج والمشقّة التي يجدها وهو الذي ولد أعسرا ولا ذنب له في ذلك .
حاولنا إقناعه ــ دون جدوى ـ بأن المسألة لا أساس لها من الصحة ,حتى بات واضحا للعيان ارتباكه على مائدة الطعام خصوصا أمام الضيوف والغرباء , مع ضمور جسمه الصغير وعدم رغبته في ارتياد الروضة منذ اليوم الذي استمع فيه إلى تلك “الفتوى ” المشؤومة من الشخص الذي ظننا به خيرا وما لبث أن تجاوز المهمّة الموكولة إليه في تحفيظ القرآن إلى واحد يحلل ويحرّم من غير وجه حق ….أمّا الغريب في الأمر هو أن أخته الصغرى قد تعاطفت مع شقيقها وصارت لا ترغب في حضور الدروس التحفيظية ..بل وتحاول الأكل والرسم بيدها اليسرى .
توجهت بالسؤال إلى آنسته ومديرته في الروضة فتجاهلت الأمر بذريعة أنها لا تتدخّل في عمل زملائها , وها أنا ذا عازم على توكيل الأمر إلى القضاء ليقول كلمته خصوصا وأنّ الدعوى لا تتوقف عند عتبات هذه المؤسسة التربوية بل تتجاوزها إلى وزارات الإشراف ومن ساهم في توظيف هذا الشخص الموتور الذي “يفتي ” و “يجتهد ” دون برهان ولا قاعدة ولا مبرّر ديني أو أخلاقي أو تربوي أو علمي .
طبعا ليست المسألة ذاتية فردية ولا هذه المساحة بصفحة شكاوى , لكنّ أمرا في منتهى الخطورة قد صار ينخر في مجتمعاتنا ولا مجال للسكوت عليه أكثر ممّا سكتنا.