يوميات ناقصة | ما ليسَ حقيقيّاً (نزيه أبو عفش)

 

نزيه أبو عفش

لكي يُصدّقوا
تَلزمُهم أشياء حقيقيّة لا يُشَكّ في واقعيّتها:
يصدّقون الربّ.
يصدّقون ما تقولهُ خشبةٌ وحَرْبةٌ وبضعةُ مسامير.
يصدّقون ما يقولهُ شجعانٌ خائبون
يجلسون، تحتُ، في الظلّ،
ويُوَثّقون واقعةَ الموت
بتكليفٍ غامضٍ مِن وَليِّ نعمتهم: التاريخ.
يصدّقون حتى القيامةْ.
يصدّقون كلّ ما هو حقيقيّ.
أمّا الألم
-إذْ هو ليس مادّةً ولا حقيقيّاً-
فلا أحدَ يجدُ نفسَهُ مرغماً على تصديقه.
الجميعُ يُكَذّبونهْ.
.. .. ..
نعم!
في أحيانٍ كثيرة:
الكراهيةُ لا بدّ منها.
في أحيانٍ كثيرةْ:
الكراهيةُ تُعادلُ الحقّ.
*
المسكين ( لا أفكّرُ في المسيح)
إذْ كان يَهْجسُ: «الجسدُ خائفٌ والألمُ عظيمْ»
لم يُتَحْ له من الوقت ما يكفي حتى لقول:
الألمُ يُكَفِّرُ عن الكراهية.
.. .. .. .. ..
بانتظارِ أنْ يجفَّ دمُهُ على الصليب
كان ينبغي على المسيح المعَقَّد
أنْ يشرح لأتباعهِ الأسْوياء
أنّ ما أَوصَلَهُ إلى هذه الهاويةِ العاليةْ
لم يكن اليأس
بل العجزُ عن التلذُّذِ بهدايا الألمْ.
.. .. ..
.. .. ..
بانتظارِ أنْ يجفّ الدمُ ويهدأَ عويلُ اللحمْ
المسيحُ المعقّد لا يزالُ يحلم
أنْ يصرخَ بكاملِ عظامِهِ ومساميرِه:
لشدّ ما كرهْتُكم!
لشدّ ما أنا قادرٌ على كراهيتكم!
.. .. ..
لكنْ، حتى بعد أن يجفَّ الدم
وتنطفئَ صيحاتُ المحتفلين بشعائرِ البطولةْ،
لن يكون بمقدورِ أحدٍ من غوغاءِ العافية
الإنصاتُ إلى ما كُتِمَ من صيحاتِ الألمْ.
أبداً! لن يكون بمقدورِ أحدٍ أن يعترف:
الألمُ ، الألمُ وحدهُ ،
يُكَفِّرُ عن جميعِ الكراهياتْ.
19/2/2011

ربيع المآتم

نعم، أعرفُ أنّ نيسان أقسى الشهور.
لكنْ، يا الله،
إنْ كنتَ تعرفُ ذلك أيضاً
فلماذا أوفَدْتَ كلَّ هذه الأزهار إلى وليمتِه؟
.. ..
نُطِلُّ على الربيع
كمنْ يُطلُّ على سرادقِ مأتم.
كأنما لا أحدَ يعرفُ طريقاً إلى عرس!
الأزهارُ كلّها محمولةٌ إلى مقابرِ موتى:
حمراءُ موتى. صفراءُ موتى. بيضاءُ موتى. ذبائحُ موتى.
الحياةُ كلّها ماشيةٌ خلفَ نعوشِ موتى.
يا إلهي!
خلف جنازةِ مَن
يُهَروِلُ هذا الربيعُ كلّه؟!..
.. ..
افرحوا!
افرحوا واطمئنّوا!
عمّا قريب
كلُّ هذه الأزهار
ستغدو عتيقةً وفاسدةْ.
تُرى، كم يتوجّبُ علينا أنْ ننتظر
لنشهدَ ولادةَ ربيعٍ آخر؟!
12/4/2011

الجلّادُ المشْفِق

يا صاحبَ السيف! أرجوكَ وأرجوكْ:
رحمةً بالخائفِ
لا يرتعشْ قلبُكَ , ولا ترتجفْ ذراعُكْ!
أرجوكَ وأرجوكْ:
كنْ حاذقاً, سريعاً, وعطوفاً!
رشيقاً كأفعى
وخاطفاً كشعاعٍ على ماءِ بحيرةْ.
أرجوك:
عَطِّلْ يقظةَ الحواس
وأَوقِفِ الزمنْ.
.. .. .. ..
حنانَكَ يا صاحبَ السيفِ, حنانَكْ!
لاتحْنِ رأسَكَ كمنْ يتأسّى
ولا تنظرْ في عينيَّ كمنْ يشفقُ أو يعتذر
(شفقتُكَ تُطيلُ موتي)
فقطْ, شُدَّ أصابعكَ على آلةِ رحمتِكْ
وفكِّرْ في ما قد تصيرُ محتاجاً لتَذَكُّرِهِ في الغد:
الشفقةُ العاجزةُ نَصْلٌ رديءُ السَّنّ
والخوفُ من الموت, هو وحدهُ, أصعبُ ما في الموت.
1/5/2012

صحيفة الأخبار اللبنانية

 

مقالات ذات صلة

يوميات ناقصة | ما ليسَ حقيقيّاً (نزيه أبو عفش)

 

نزيه أبو عفش

لكي يُصدّقوا
تَلزمُهم أشياء حقيقيّة لا يُشَكّ في واقعيّتها:
يصدّقون الربّ.
يصدّقون ما تقولهُ خشبةٌ وحَرْبةٌ وبضعةُ مسامير.
يصدّقون ما يقولهُ شجعانٌ خائبون
يجلسون، تحتُ، في الظلّ،
ويُوَثّقون واقعةَ الموت
بتكليفٍ غامضٍ مِن وَليِّ نعمتهم: التاريخ.
يصدّقون حتى القيامةْ.
يصدّقون كلّ ما هو حقيقيّ.
أمّا الألم
-إذْ هو ليس مادّةً ولا حقيقيّاً-
فلا أحدَ يجدُ نفسَهُ مرغماً على تصديقه.
الجميعُ يُكَذّبونهْ.
.. .. ..
نعم!
في أحيانٍ كثيرة:
الكراهيةُ لا بدّ منها.
في أحيانٍ كثيرةْ:
الكراهيةُ تُعادلُ الحقّ.
*
المسكين ( لا أفكّرُ في المسيح)
إذْ كان يَهْجسُ: «الجسدُ خائفٌ والألمُ عظيمْ»
لم يُتَحْ له من الوقت ما يكفي حتى لقول:
الألمُ يُكَفِّرُ عن الكراهية.
.. .. .. .. ..
بانتظارِ أنْ يجفَّ دمُهُ على الصليب
كان ينبغي على المسيح المعَقَّد
أنْ يشرح لأتباعهِ الأسْوياء
أنّ ما أَوصَلَهُ إلى هذه الهاويةِ العاليةْ
لم يكن اليأس
بل العجزُ عن التلذُّذِ بهدايا الألمْ.
.. .. ..
.. .. ..
بانتظارِ أنْ يجفّ الدمُ ويهدأَ عويلُ اللحمْ
المسيحُ المعقّد لا يزالُ يحلم
أنْ يصرخَ بكاملِ عظامِهِ ومساميرِه:
لشدّ ما كرهْتُكم!
لشدّ ما أنا قادرٌ على كراهيتكم!
.. .. ..
لكنْ، حتى بعد أن يجفَّ الدم
وتنطفئَ صيحاتُ المحتفلين بشعائرِ البطولةْ،
لن يكون بمقدورِ أحدٍ من غوغاءِ العافية
الإنصاتُ إلى ما كُتِمَ من صيحاتِ الألمْ.
أبداً! لن يكون بمقدورِ أحدٍ أن يعترف:
الألمُ ، الألمُ وحدهُ ،
يُكَفِّرُ عن جميعِ الكراهياتْ.

19/2/2011

 

صحيفة الأخبار اللبنانية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى