يوميات
القصيدة إبرة لتسكين الألم، يغرزونها في الوريد،
فيحمّر زندهم مكان غرزتها ، كوشم إلى الأبد .
ـ 1 ـ
عندما ترمي الملابس والأشياء. الكتب والكراسي والطاولة، وكل ما هو عتيق، ويذكّرك بمن غادروا، بمن لم يعد لهم مكان في هذا العالم، إلا في الذاكرة، الذاكرة التي لها أيضاً نوع من الغبار تنثره على الأماكن المؤلمة…عندما تفعل ذلك، فكأنك تهدم، تفتّت، وتبعثر، وترمي على الأرض عشاً لسنونو وسنونوة جاءا من ألفي كيلو متر، فوق محيطين، ليعششا في زاوية الماضي، في بيتك.
السنونو ذاكرة المسافات، ومهندس بيت النبيذ في بيتك. لا تقل له شيئاً سوى “الأرض أمنا” وهذه القطعة لسعيد عقل:
“سمعت عصفور مهموك.
مسلطن،
عم يخطب ويتجلّى.
يقللو لأبنو:
فتافيت خبز قلال بيقدّوك.
بس السما…رح تلزمك كلاّ”.
ـ 2 ـ
أنت…
أيتها الفتاة الحزينة الواقفة على الرصيف،
الذي كأنه رصيف على المحيط الأطلسي،
الأمواج عالية، والآفاق مسدودة.
ولا شيء يدل على اختفاء الشر من هذا العالم.
إلى أين أيتها الفتاة الوحيدة…؟
أنت أمام هذه الرياح ورقة بيضاء، فارقت أمها في حروب الأميين،
وأنا قلم مغلق لإصلاح أزمنة الكلام
هاتي يدك لأودع لك فيها الصمت.
السفينة، ذات الأشرعة،
قد تتأخر قليلاً في أعالي ارتباك الصواري.
ـ 3 ـ
هذه السيدة، لا تستحق إلا كل أنواع الشكر، لأنها أنقذت أرواحاً، كطبية أطفال، وجعلت كل مرض ممكن الشفاء إلا مرضها هي الذي داهم عافية كريمة في لحظة المفاجأة…مرض عسير لا شفاء منه.
سألتني لماذا أعيش إذا كنت لا أنتظر شيئاً في صباحات هذه الدنيا؟
قلت عيشي لأنك مؤمنة بشفائك…
وتذكري ذلك الراهب الذي قاد أبناء قريته العطشى إلى بساتينهم ليرفعوا إلى الله صلاة استسقاء.
سأله أحدهم: لماذا تحمل المظلة يا أبانا؟
فأجاب الراهب: كي لا أتبلل في طريق العودة.
ـ 4 ـ
بدأت فتيات القرى والبلدات اللواتي عشن مع وتحت حكم داعش، في سورية، بخلع الزي الداعشي، ويرمينه في الطرقات، أو يعلقنه على أسيجة البساتين كغربان.
تذكرت مقولة “سيمون دو بوفوار”: “ثوب المرأة عريها”.
لا أدري إن كان بوسع السوريين، في زمن قصير، أن يتصالحوا مع ذاكرتهم في تجربة المحنة…؟
لا سيما النساء.
ثمة خسائر لا يعرفها إلا من عرفها.
ـ 5 ـ
افتقد الرئيس جمال عبد الناصر، بعد الثورة (1952) صوت أم كلثوم في إذاعة صوت العرب. وعندما سأل وزير الإعلام عن السبب في اختفاء أغانيها…قال: سيدي إنها مغنية من العهد الملكي، وقد أزلناها من البرنامج العام.
غضب عبد الناصر، وقال ساخراً: ما رأيك بإزالة الأهرامات…فهي من العهد الفرعوني؟