كتب

يوم استنجد ستالين بمسلمي الاتحاد السوفييتي

 

من المعروف أن الثورة البلشفية شنّت حروباً عنيفة على مختلف مظاهر الدين والتدين، لكن عدوان ألمانيا النازية على الاتحاد السوفييتي عام 1941 أجبر ستالين على إعادة النظر في سياساته تلك، إذ احتاج إلى حشد دعم شعبي عام ضد النازيين. وقد نجحت الهوية الدينية والتفاني للعديد من المواطنين من القمع الديني الوحشي في عشرينيات القرن الماضي وثلاثينياته في النجاة. حيوية الدين بالتحديد هي التي كان يأمل ستالين في توظيفها عندما طلب مساعدة القادة الدينيين المسيحيين والمسلمين والبوذيين واليهود وغيرهم في دعوة المواطنين إلى التطوع في الجيش السوفييتي. وقد أنشأت الحكومة نظاماً ذا شقين للدعاية للمواطنين المسلمين في البلاد.

فمن ناحية، قام الحزب الشيوعي السوفياتي بإغراق المسلمين بأدب علماني ظاهرياً يشيد بـ«صداقة» الشعوب السوفييتية وقضيتهم المشتركة في الدفاع عن الاشتراكية، ومن ناحية أخرى تم تفويض نخب مسلمة مختارة بمهمة إصدار دعوات حشد إسلامية موازية. في كتاب «اللهم انصر الاتحاد السوفيتي: المسلمون السوفييت في الحرب العالمية الثانية» لجيف ايدن (منشورات جامعة أوكسفورد ــ 2021)، نقرأ كيف أوضحت هذه النخب المسلمة مواقفها في الخطب والفتاوى المتداولة على نطاق واسع ودعمت المجهود الحربي بلغة النضالات الإسلامية الكلاسيكية: فقد تم نشر اقتباسات من القرآن ونشر عينات مناسبة ومألوفة من الأحاديث إضافة إلى إعلان هتلر عدواً لـ«الإسلام» على وجه الخصوص، يسعى ليس فقط لتدمير مسلمي العالم ولكن أيضاً لتدمير عاداتهم ومقدساتهم. كما تم إعلان الجنود الذين قضوا شهداءً بصفتهم مجاهدين.

يقدم الفصل الأول «الوضع: من سنوات القمع إلى «الصفقة الجديدة لستالين» لمحة عامة عن التطورات الرئيسة في الحياة الدينية السوفييتية والسياسة من خلال موجات متتالية من القمع في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، ويختم بإلقاء نظرة فاحصة على «الصفقة الجديدة» التي أبرمها ستالين مع القادة الدينيين في زمن الحرب.

يركز الفصل الثاني (الصلاة مع ستالين: بروباغاندا السوفيتية في الحرب العالمية الثانية) على صعود النخب المسلمة المعترف بها رسمياً، ويكشف عن كيفية استدعاء القادة المسلمين السوفييت لحشد مجتمعاتهم في المجهود الحربي، وتصوّر في العديد من الخطب هؤلاء القادة النضال ضد النازيين بمصطلحات إسلامية واضحة؛ لقد عبروا عن القيم والمصالح المشتركة مع الدولة السوفييتية؛ واستخدموا برنامجهم العام الجديد لتحديد الهوية الإسلامية المجتمعية باستخدام نوع اللغة ذاتها التي كانت محظورة في السابق في المجال العام السوفييتي. كان الجهد المبذول لحشد المسلمين للحرب أكثر بكثير من مجرد حملة دعائية، وكانت نتائجه أكثر اتساعاً بكثير من تجنيد الجنود.

الفصل الثالث (التفاوض على تسامح ستالين: المؤسسات الإسلامية في زمن الحرب) يوضح أن القادة المسلمين السوفييت اكتشفوا حرياتهم للتفاوض مع الدولة السوفييتية للحصول على مجموعة من الامتيازات نيابة عن مجتمعاتهم، بدءاً من إعادة فتح المساجد المغلقة منذ فترة طويلة إلى السماح للاحتفال بالأعياد الدينية الرئيسة بشكل أكثر انفتاحاً. من وجهة نظر الدولة السوفييتية، كانت هناك فوائد يمكن جنيها من هذا النوع من التسامح؛ فقد أصبحت المساجد التي أُعيد افتتاحها حديثاً مراكز رئيسة لجمع التبرعات للجهود الحربية، ونشرت النخب المسلمة رسائل وطنية في سياقها، بما في ذلك مديح ستالين وشكره.

الفصل الرابع (صلاة الجيش الأحمر وأشعار الجبهة الداخلية: لمحات من حياة المسلمين السوفييت في زمن الحرب) يغوص في التدين بين المسلمين خلال الحرب، اعتماداً على مصادر مثل الشعر في زمن الحرب، وذكريات المحاربين القدامى، وتقارير شهود العيان، والرسائل السرية للمسؤولين في الاتحاد السوفييتي والرسائل من الجبهة الداخلية وإليها.

الفصل الخامس (حيرة البيروقراطيات: مراقبة المسلمين في قازاخستان ما بعد الحرب – استنتاج) يظهر أن المسؤولين أنفسهم المكلفين بمراقبة الحياة الدينية كانوا في بعض الأحيان في حيرة من أمر ما كان يفترض أن تتضمنه «سيطرة» الدولة. فما شهده الاتحاد السوفييتي في تلك الفترة كان إحياء الدين لا المؤسسات الدينية.

تجادل خاتمة المؤلف بأنّ نمو هذه «المساحات الرمادية» ربما كان له تأثير أكبر في الثورة الدينية في حقبة الحرب من تأثير موجة الدعاية الدينية التي تديرها الدولة أو الجهود الدؤوبة للنخب الدينية المعتمدة من الدولة.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى