يوم الحسم! (محمد صلاح)

 

محمد صلاح

لن يهدأ الشارع في مصر وتستقر الأوضاع ويعود الهدوء من دون أن يتخذ الحكم إجراءات وقرارات وسياسات تنهي حالة الفضوى، وتخفض حدة الاحتقان، وتحقق الحد الأدنى من مطالب فئات سياسية واجتماعية تعتقد أنها تعرضت للظلم في ظل حكم "الإخوان"، أو آخرين يرون أن الجماعة والحزب والرئيس يقودون البلاد إلى نفق مظلم. والحق أن مصر داخل النفق الآن ومطلوب الخروج منه وهذا ليس فقط أفضل للشعب المصري كله وإنما أيضاً لمصلحة كل الأطراف التي تتصارع على الحكم، أو تناصب بعضها العداء، أو تتحدى إرادة الثورة وتعصف بمبادئها وتطيح آمال الذين كانوا وقوداً لها، وكل فصيل منها يروج أو قل يدعي أنه حامي حمى الثورة ومنقذها! ما أن يمر أسبوع تنخفض فيه حرارة الصراع وتختفي مشاهد الحجارة والمولوتوف والخرطوش والمواجهات بين الشرطة والمواطنين إلا وتأتي الرياح بما تشتهي سفن الكراهية لا المنافسة، ومع كل تصرف للمعارضة يعارض الحكم وسياساته يكون رد الفعل حاداً عنيفاً جارحاً متناقضاً مع كلام الرئيس نفسه وللمنطق أيضاً.
في المقابل، فإن حال الترصد لكل كلمة أو خطبة أو حوار أو قرار أو مشهد للرئيس لا ينجو من النقد أو قل السخرية، ناهيك بالطبع عن تفنيد قراراته وسلوك حزبه وتصرفات جماعته. لكن الرئيس نفسه كان طالب الناس بنقده وتقويمه بل وتعهد بالمغادرة إذا عجز عن تحقيق أهداف الثورة أو مطالب الناس، ووعد بنهضة لم يتحقق منها شىء خلال العام الأول من حكمه. عموماً سيبقى الوضع في مصر على ما هو عليه لفترة ستطول بحسب قدرة الحكم على الصمود من دون إنجازات ملموسة تتخطى حدود "بروباغندا" الأنظمة، وبحسب أيضاً قدرات المعارضة، بمختلف ألوانها، على تحريك الشارع وممارسة الضغوط على الرئيس وحزبه وجماعته. ينتظر الطرفان يوم الحسم في 30 حزيران (يونيو) المقبل، أي ذكرى مرور سنة على تولي الدكتور محمد مرسي مقاليد الحكم، ويعتبرانه موعداً فارقاً في الصراع بينهما، فإذا مر دون صخب وحشد وضجة وضغوط جماهيرية فإن الرئيس سيقدر أن المعارضة هزمت، والحزب سيعتقد أن الطريق صار ممهداً أمامه ليسير بمصر في الطريق الذي اختاره، وستنال الجماعة نصراً مرحلياً مهماً سيدعم موقف مرشحيها في الانتخابات البرلمانية المقبلة. أما إذا تحول "التمرد" من مجرد حركة تجمع توقيعات المواطنين على ورق إلى تيار هادر في الشوارع والميادين يرفع رايات العصيان في وجه الرئيس وحزبه وجماعته فإن المعارضة، أو كل القوى غير المنتمية إلى تيار الإسلامي السياسي، ستكون أمام تحدٍ لطرح البديل وإلا ستقع في الخطأ نفسه الذي وقع فيه "الإخوان" عندما نجحوا، مع القوى الأخرى، في إسقاط حكم مبارك ثم فشلوا في ممارسة عملية الحكم نفسها. اللافت أن كل طرف يبدو مصدقاً لأحلامه أو أمنياته، فالمعارضة تعول على نهاية الشهر المقبل لإجبار الحكم إما على تقديم تنازلات حقيقية أو الرحيل، بينما "الإخوان" تعتقد أن اليوم سيمر مثلما مر غيره وأن التحركات والجهود التي تهدف إسقاط الرئيس أو حتى الضغط عليه لن تفلح، أو كما قال نائب رئيس حزب "الحرية والعدالة" الدكتور عصام العريان، في مكالمة ودية أول من أمس، إن مصر ستنهض "رغم أنف كل المؤامرات أو التحركات التي تهدف إلى إسقاطها". تلك هي حسابات الطرفين، بينما الواقع ومنذ الثورة يشير إلى أن مصر صارت دائماً تنتظر حدثاً ما وغالباً ما يكون مأساوياً أو ينتهي هكذا، بينما المواطن غير المسيس يكاد يشعر بالضجر والسأم والملل من الوجوه نفسها التي فرضتها الثورة عليه، أو فرضت نفسها عليه منذ الثورة!
نعم ليس سراً أن فئة واسعة من الشعب المصري أيقنت أن أطراف اللعبة السياسية جميعاً في الحكم والمعارضة حققوا فوائد بإسقاط مبارك دون بناء نظام حكم ديموقراطي حقيقي يحفظ حقوق المواطنين، وينفذ السياسات التي تكفل لهم حياة أفضل من تلك التي عاشوها في ظل النظام الذي أسقطته الثورة، فإذا بهم في موقف المتابع لصراع أصحابه هم أنفسهم الذين كانوا يصارعون الحكم السابق ثم انقلبوا على أنفسهم بعدما أسقطوه.

صحيفة الحياة اللندنية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى