يوم العزاب
العدوى جاءت، هذه المرة، من الصين التي تضم عاصمتها بكين، وحدها، أكثر من نصف مليون أعزب، وصار العالم، بأسره، يحتفل في يوم 11 ـ 11 من كل عام، بيوم العزاب. ولاختيار هذا الرقم المفرد، رمزية تتمثل في تكرار الرقم 1 للإشارة إلى حياة الوحدة، وافتقار هؤلاء في غرف نومهم للأسرّة المزدوجة، ولا يمتلك الواحد منهم في غرفة استحمامه أكثر من فرشاة أسنان واحدة.
ربما أراد المضربون عن الزواج توفير بعض المصاريف على أنفسهم، لكنهم ملئوا خزينة شركة التسوق الإلكتروني الضخمة “علي بابا” بمبيعات تخطت حاجز الـ 25 مليار دولار، على شكل هدايا يتبادلها العزاب، بغية التوادد والتأسيس لأقفاص الزوجية.. يا لهذه المفارقة السوريالية: أناس يحتفون بالعزوبية، طلبا للزواج الذي يعتبره الكثير من ” مرتكبيه” بدورهم، ” أبغض الحلال”.
ووفق منطق هذه المعادلة، فإن على العالم أن ينتظر يوم 22 ـ 2 ـ 2022 ليؤسس لاحتفالية “عيد المتزوجين” من أولئك الذين تعلّق في مداخل صالوناتهم نسختان لمفتاح البيت وشمسيتان، وتجثم فوق أسرتهم مخدتان وحلمان لا يلتقيان، على اعتبار أن الرقم 2 قابل “للقسمة والنصيب”، ويرمز إلى التشارك في الهموم قبل المسرات.
ساعتها، لن يتغير شيء على شركات التسوق العملاقة، فلسوف تستمر في ملء خزائنها بأرقام مبيعات قياسية، وذلك على شكل هدايا يتبادلها المتزوجون توددا أو حتى طلبا للطلاق الذي بدأت تقام له النوادي المتخصصة، احتفاء بالعودة إلى العزوبية التي يراها الكثيرون، تاجا على رؤوس أصحابها.
عرب المشرق، على وجه الخصوص، يكثرون التذمر من حياة العزوبية في أغانيهم الفلكلورية، على شاكلة أغنيتي ” العزوبية طالت عليّ، روحي اخطبيلي يا يمّة وحدة شاميّة” لصباح فخري، و ” بدنا نتجوز عالعيد، وبدنا نعمّر بيت جديد، شبعنا عزوبية ومواعيد” لنهاد طربيه، أمّا في الغرب فلم أسمع ـ على حد علمي ـ بأغنية تمجد الزواج أو العزوبية أو تقرن الحب بالزواج، باستثناء الشاعر الفرنسي لوي أراغون، الذي هام ب “إيلزا” حبيبة وخطيبة وزوجة، وفقيدة تحت التراب، في قصة حب كللت بالزواج، ولم يعشها في شعرنا العربي، قيس ليلى، ولا جميل بثينة، ولا ابن زيدون ولّادة الذي اكتفى باللوعة والحنين فتفجرت قريحته عن شعر عذب لم نكن لنستمتع به اليوم، لو تزوج منها، وأنجبا صبيانا وبنات، كما في نهايات حكايات الجدات.
تكاد تنقسم مجتمعاتنا العربية إلى صنفين: أعزب يحسد المتزوج على زواجه، ومتزوج يغبط الأعزب على عزوبيته، وبينهما مطلّق يؤمن بأن الندم على ما فعلته، أفضل بكثير من الندم على ما لم تفعله.