يوم لحق بي طلاب المدارس يرددون اسمها!

لا أعرف ما الذي دفعني لأفعل ذلك !

ما أن استيقظت من حلم مفاجئ، حتى وجدتني أرتدي ثيابي ، وأركض إلى الشارع. كان الشارع فارغا تماما، لا مارة فيه، ولا سيارات، ولا عصافير، وانكفأت الغربان باتجاه الأشجار تنتظر شيئا ما !

كان المطر يغسل وجهي بيدين ناعمتين، جعلته النسمة الباردة قبالتي يتجه نحو وجهي، فيغسله وكأنه عرف جيدا أني خرجت دون أن ارشق مياه الصباح على وجهي أو أنظف فمي بفرشاتي الجديدة التي وصفها لي الطبيب كي لا تجرح اللثة.

دخلت في المدينة، كانت المسافة بيني وبينها تتضاءل ، مع كل تسارع في خطواتي كانت تقترب أكثر.. شيء ما في داخلي قال لي : “إنها هناك” بل كان يلح علي مثل وسواس لا يكف عن الهمس “إنها هناك .. إنها هناك ..إنها هناك “.. وتلقائيا كنت أركض والمطر الذي كان يغسل وجهي صار يصفعني، وكأنه يقول لي : اصح يا رجل . اصح !

وجدتها ..

بدتْ المسألة، وكأن الحلم امتد إلى أن أصبح واقعا !

كبّلتني الدهشة . قال داخلي : ” لا تتحدث معها .. راقبها فقط !”

لم أتحدث معها .. رحت أراقبها. اختبأت في حارة ضيقة في حي القنوات .. ثم لحقت بها حارة بعد حارة نحو باب الجابية.. كانت وحيدة.. ترتدي بنطال جينز أزرق وتربط شعرها بمطاطة صغيرة كأنها استجمت دون أن تمشط شعرها، ظلت تغذ السير كما تأخذها قدماها. لا تلتف أبدا نحوي، وساعدني هذا على الاستمرار في مراقبتها ..

دخلتْ في الشارع المستقيم ، وهناك ضاعتْ في الحارات ، وكان الشارع يمتد وكأنه ذاهب إلى آخر الدنيا!

لا أخفيكم أن الذعر انتابني من رأسي حتى أخمص قدمي، فأين ذهبتْ ، من فتح الباب فأخفاها؟ وراحت بي الظنون بعيدا. وفكرت: “قد يغتصبونها! ” فازداد هلعي.. يارب احمها من كل غريب ..

قررت أن أفعل شيئا ما، وكان المارة قد بدأوا يتحركون في الحارات والشوارع .. اقتربتُ من واحد منهم .. قلتُ له : هل رأيتها ؟!

فظنني مجنونا كمجانين المدينة الذين يحكى الناس أنهم كانوا عباقرة .. تذكرت عماد حقي .. تذكرت الملاك الأبيض .. تذكرك الشيخ الذي كان يركض في الشوارع ويردد : الله هو.. الله هو .. الله هو !

ضحكت . فنظر إلى شاب صغير باندهاش، قلت بصوت عال: هذه آخرتي ؟ مجنون يعني ؟!

وقفت أمام تنور قديم بدأ لتوه في سحب الأرغفة الأولى من أتون النار .. رميت السلام عليه ، فظن أنني أريد رغيفا .. رمى لي الرغيف وعاد إلى عمله .. أما أنا ، فقد أخذت قلما كان مرميا عند درج النقود ، ورسمتُ اسمها على يدي ، وخرجتُ أرفع يدي ، وأركض في الشوارع ..

كانت الستاتي قد تجمعت على الأرصفة تبحث عن طعامها، وكانت العصافير قد خرجت لتلعب، وكان المطر قد توقف .. وكان طلاب المدارس يركضون خلفي ويرددون اسمها الذي كتبته على يدي، ويصفقون !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى